قبل 63 عاما .. مجلس الأمن تدخـَّل ليمنع الكتيبة السادسة من تحرير القدس الغربية



بعد احتلال الإنجليز لفلسطين إثر خروج الأتراك في عام 1917 م إتخذت ( عُصبة الأمم ) قرارا بوضع فلسطين وشرقي الأردن تحت إنتداب الحكومة البريطانية صاحبة ( وعد بلفور ) الذي تعهد بموجبه وزير خارجيتهم اللورد الُمتصهين بلفور بمساعدة اليهود على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، وتمهيدا لتحقيق وعدهم شرع الإنجليز في دعم العصابات اليهودية من جهة وفي الضغط على عرب فلسطين من جهة أخرى ، وبلغ دعمهم ذروته في الأيام الأخيرة التي سبقت التاريخ المُحدَّد لانسحابهم من فلسطين ( 15 / أيار / 1948 م ) حيث حرص الإنجليز على إمداد اليهود بالسلاح وتمكينهم من الإستيلاء على النقاط الإستراتيجية وخاصة في منطقة القدس قبل أن تقوم القوات البريطانية بالإنسحاب منها ، وحين أدرك أهالي القدس خطورة الوضع أرسلوا وفدا إلى عمَّـان لمقابلة الملك عبد الله الأول بن الحسين ليشرحوا له خطورة الوضع في القدس ، فأصدر الملك أوامره لقائد الجيش الضابط الإنجليزي جون كلوب باشا بتحريك الكتيبة السادسة فورا إلى القدس لحمايتها من العصابات اليهودية ، وكانت الكتيبة السادسة بقيادة القائد عبد الله التل الذي كان قد عُيِّـن قائدا لها بعد عودته من دورة عسكرية في بريطانيا لضباط أركان الحرب ، وما كادت الأوامر تصل إلى عبد الله التل حتى أمر بالإنطلاق نحو القدس وعندما وصلت الكتيبة إلى مشارفها عند باب رأس العمود قام بتوزيع قواته على المواقع المهمة فوق سور القدس ، وفي ليلة 16 / 5 / 1948م وصلت معلومات إستخباراتية عن تحضيرات تقوم بها العصابات اليهودية لاقتحام أسوار القدس القديمة من جهة باب النبي دواود القريب من الحي اليهودي في داخل القدس القديمة ، فوضع التل مع ضباطه خـُـطـَّـة لاستدراج العصابات اليهودية بالتظاهر بالإنسحاب أمامهم وما أن أصبح حوالي التسعين من المقاتلين اليهود داخل الحي اليهودي حتى حاصرهم نشامى الكتيبة السادسة وأخذوا بتضييق الحصار على الحي اليهودي فمنعوا عنه الماء وإمدادات السلاح والغذاء ، وأصدر القائد التل إنذارا إلى اليهود بالإستسلام ، وما أن إنقضت المُهلة حتى بدأ قصف الجيش الأردني على الحي ، وفي هذه الأثناء حاولت العصابات اليهودية في القدس الجديدة نجدة المُحاصرين ولكن نشامى الكتيبة السادسة كانوا لهم بالمرصاد ، وأعاد اليهود الكرَّة مساء 24 / 5 / 1948م فشنـُّـوا هجوما كبيرا من جهة باب النبي داوود لإدخال النجدات إلى الحي اليهودي ولكن الهجوم فشل وخسر اليهود حوالي ستين قتيلا ، ولم يكن أمام المقاتلين اليهود المحاصرين في الحي اليهودي إلا التمترس في كنيس الحي فوجـَّـه القائد عبد الله التل إنذارا لإخلائه حتى ظهر 27 / 5 / 1948م ، وفي هذه الأثناء ألحَّ مندوب الصليب الأحمر في القدس الفرنسي كروفوازيه على القائد التل ليرفع الحصار والسماح بدخول الإمدادات إلى الحي اليهودي وعندما لم يعره التل أي إهتمام هدَّده كروفوازيه بأنه سيطلب إدراجه كمجرم حرب ولكن التل لم يأبه لتهديداته ، وعندما إنقضى الأجل قامت قوة من الكتيبة السادسة بقيادة الرئيس محمود الموسى العبيدات بمهاجمة الكنيس ، وتمكـَّـن المجاهد المتطوع فوزي القطب تحت حماية الجيش العربي من تفجير لغم كبير أحدث ثقبا واسعا في أحد جدران الكنيس فاقتحمه النشامى ولم يلبثوا أن رفعوا العلم الأردني فوقه فلم يعد أمام اليهود إلا الموافقة على الإستسلام ، وبعد مفاوضات سريعة في يوم 28 / 5 / 1948 م بحضور الرئيس محمود الموسى العبيدات وممثل الأمم المتحدة في بلدية القدس السنيور أسكراتي وافق اليهود على الشروط التي وضعها التل وتمَّ التوقيع على وثيقةالإستسلام .

بعد هذا النصر المبين الذي حقـَّـقه نشامى الجيش العربي الأردني أدرك القائد التل ورفاقه ضباط وجنود الكتيبة السادسة أنهم أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرَّر لإكمال تحرير كل القدس الشريف بالإستيلاء على القدس الجديدة التي يسكنها اليهود خارج الأسوار « القدس الغربية « ، فبدأ يُـعدُّ العُدة للهجوم عليها ، ورغم محاولات قائد الجيش الضابط الإنجليزي كلوب باشا لمنع حدوث ذلك إلا أن نشامى الكتيبة السادسة كانوا مُصرِّين على عدم تضييع تلك الفرصة التاريخية ، ولكن اليهود من طرفهم أدركوا خطورة وضعهم في القدس الجديدة فسارعوا يستنجدون بالإنجليز والأمريكان لإنقاذهم من الخطر الذي يتهدَّدهم فسارع الإنجليز والأمريكان إلى الإستجابة لليهود فدعوا بشكل مفاجىء وطارىء إلى عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي مساء يوم 29 / 5 / 1948 م أي بعد يوم واحد فقط من إستسلام اليهود في القدس القديمة « الشرقية « ، ونجح الإنجليز والأمريكان بتواطؤ مع الدول الغربية والإتحاد السوفييتي الشيوعي في اتخاذ قرار في مجلس الأمن بفرض هدنة لمدة أربعة أسابيع في فلسطين ، وكانت أولى نتائج هذا القرار إضاعة الفرصة التاريخية على نشامى الجيش العربي الأردني لتحرير كل القدس الشريف بالإستيلاء على القدس الجديدة التي كان الإستيلاء عليها بمثابة تحصيل حاصل ، كما كان من نتائجه إعطاء الوقت للعصابات اليهودية لإعادة تنظيم قواتها وزيادة عددها وجلب المزيد من السلاح والعتاد بشكل ظهر تأثيره لاحقا لصالح اليهود بعد مواصلة القتال بعد إنتهاء أسابيع الهدنة الأربعة ، وقد وصف القائد عبد الله التل موافقة الجامعة العربية على قرار الهدنة بأن أقل ما يُقال عنه أنه جريمة وخطيئة كبرى منعت الجيش العربي الأردني من إنقاذ كل القدس .

التاريخ : 29-10-2011

تعليقات