قلعة الكرك، إنها ليست قلعة واحدة، هي قلعة، فوق قلعة، فوق قلعة، فوق قلعة، في البدء بناها الملك المؤابي ميشع وكتب على مسلته التي خلـَّـد عليها نصره على العبرانيين اليهود في القرن التاسع قبل الميلاد»860 ق. م»:»أنا الذي بنى المكان المقدس لكموش الإله في كركا / الكرك وأنا حفرت القناة الى كركا / الكرك»وشققت الطريق في وادي أرنون»»كوش»إله الحرب»هوالإله الأعظم الذي عبده المؤابيون»، وعُرفت القلعة باسم»كير مؤاب»»تعني كير باللغة الآرامية القلعة الحصينة»، ووصفها ابن بطوطة في كتابه»تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الاسفار»بـ ِ»حصن الغراب»، وذهب المؤابيون وجاء الأنباط العرب فرمَّموا القلعة وعزَّزوا دفاعاتها، ثمَّ ذهب الأنباط وجاء البيزنطيون فصارت قلعة الكرك بعد أن أعادوا ترميمها وتدعيمها من أهم خطوط دفاع الإمبراطورية البيزنطية، ثمَّ تشرَّفت الكرك وقلعتها بأمين الأمة الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجرَّاح فاتحا ومُحرِّرا لها من دنس الإحتلال البيزنطي وترجمت عشائر الكرك العربية المسيحية الوحدة الوطنية العربية الإسلامية المسيحية بأجمل صورها في المشاركة بتحرير الأردن من الإحتلال البيزنطي، وما فتئت قلعة الكرك موضع اهتمام الأموييين والعباسيين، وفي عهد الدولة الفاطمية أصبحت الكرك وقلعتها إقطاعًا للقائد الفاطمي بلتكين التركي»372هـ / 982م»، ثمَّ جاء إعصار الفرنجة الذين تمكنوا من تأسيس مملكة بيت المقدس اللاتينية»492 هـ / 1099م»، وفي عام 537هـ 1142 م استولى الفرنجة على الكرك وأعادوا ترميم قلعتها وتدعيم أسوارها وأبراجها وجعلوها مركزًا لبارونية الكرك والشوبك وأصبحت قلعة الكرك من أهم مراكز الفرنجة العسكرية، وأحكمت مع قلعة الشوبك سيطرة المُحتلين الفرنجة على شرقي الأردن وتحكـَّـمت في حركة التجارة وقوافلها القادمة من مصر والجزيرة العربية والبحر الأحمر إلى بلاد الشام والعراق ووقفت فاصلا جغرافيا بين مصر وبلاد الشام، وشكلت خطرًا على المقدسات الإسلامية في الحجاز وخاصة بعد أن تجرأ أحد أكثر قادة الفرنجة حقدا على الإسلام»أرناط»»رينالد بن هنري»على إرسال حملة بحرية من آيلة»العقبة»لغزوالمدينة المنوَّرة لنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخذ يهاجم بوحشية قوافل الحجاج والمعتمرين والتجار، وبلغ الغضب بصلاح الدين من تصرُّفات أرناط مبلغه عندما هاجم أرناط قافلة حجيج كانت فيها أخته فأقسم أن يقتله بيده إذا أمكنه الله عزَّ وجلَّ منه، ولم يطل إنتظار صلاح الدين حتى يبرَّ بقسمه إذ ما أن إنجلى غبار معركة حـِـطــِّـين»1187 م»عن انتصار المسلمين وهزيمة الفرنجة حتى عرف صلاح الدين أن غريمه أرناط بين الأسرى فأمر بإحضاره فلما جيء به ذكـَّـره صلاح الدين من خلال مترجم بجرأته على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ثمَّ استل سيفه وقال لأرناط :»: إنني أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار لأمته»وأهوى بسيفه على رأسه ثمَّ أرسل رأس أرناط إلى الأسرى من أمراء الفرنجة وقادتهم في خيمتهم، ولم تطل غيبة الكرك وقلعتها عن أمتها العربية المسلمة إذ سرعان ما أرسل صلاح الدين أحد قادته سعد الدين كمشبه إلى الكرك فحرَّرها من الفرنجة ليصبح إسم القلعة»قلعة صلاح الدين»، وكانت القلعة موضع اهتمام الدولة المملوكية وأولاها السلطان الملك ظاهر بيبرس اهتماما خاصا فأعاد ترميمها، وكانت قلعة الكرك شاهدا على مقاومة أهالي شرقي الأردن للمظالم التي كانت تقترفها حكومة حزب الإتحاد والترقــِّــي الذي كان غالبية قادته من يهود الدونمة ومن الماسونيين والتي تسلـَّــطت على الدولة العثمانية في آخر سنواتها، فقد كانت قلعة الكرك شاهدة على عمليات الإعدام الظالمة التي تعرض لها أهالي الكرك اثناء ثورة»هيِّـة الكرك»في عام 1910 م ضدَّ حكومة الإتحاد والترقــِّـي، وقد حوِّلت القلعة إلى متحف أثري منذ عام 1980 م تـُعرض في قاعاته آثار المسلمين في الفترة المملوكية والعثمانية، ويوجد به متحف لآثار العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي والعصر الحديدي، وتضم مجموعة من القطع الأثرية المؤابية والنبطية والرومانية والبيزنطية والفرنجة، وما برحت الكرك وقلعتها وستبقى بإذن الله عزَّ وجلَّ صرحا من صروح العروبة والإسلام.
التاريخ : 12-11-2011
تعليقات