العرب اليوم- خالد الخريشا
قبل (100) عام تم اختراع بابور الكاز (البريموس). اطلق على ما تحول اليوم الى مشهد رومانسي كلمة بريموس نسبة الى اسم بلدة في دولة السويد اشتهرت بأنها اول وأشهر من قام بصنع بابور الكاز في العالم رغم ان دولا اخرى فيما بعد صارت تصنعه مثل بريطانيا وألمانيا وروسيا والهند ومصر وسورية.
وعرف الناس هذه الالة النارية الجديدة في فترة الاربعينيات والخمسينيات وخاصة في المدن, لكن القرى ظلت تستعمل الحطب لفترة طويلة بسبب طبيعة البيئة الشجرية التي توفر الحطب بعكس المدن.
كان في وقت من الاوقات ينظر اليه كجهاز لا يستخدمه سوى الاثرياء, بعد ان اراح الجدات من عناء اشعال نار الحطب والنفخ وجرف الرماد وغبار الفحم ورائحة الدخان..
اليوم نجد البابور معلقاً على زاوية معينة في معظم بيوت القرى الاردنية العتيقة وحتى في بعض المحلات في الاسواق الشعبية القديمة قوي حزين يصارع البقاء بعد ان اخترع الانسان وسائل اخرى اكثر تقدما.
سيدات المجتمع اليوم اللواتي يستخدمن افران الغاز والمايكروويف وغيرها كانت جداتهن ميسورات الحال فقط يستخدمن "بابور الكاز"?
الحاجة السبعينية ام طلال تقول:" وعيت على الحياة ونحن نستخدم "بابور الكاز", ورغم بساطته, الا اننا كنا جميعاً نشعر به, كأحد اركان المنزل, فإذا لم يعمل يوماً ما او لم نسمع هدير صوت ناره, فمن المؤكد ان شيئاً ما ينقصنا وفي بعض الاحيان كانت تتجمع العائلة على ناره في الشتاء, لتبدأ برواية القصص الخيالية للاطفال حتى يناموا وتبادل الاحاديث التي لا تنتهي, اما الان فأنا اضعه في صالون بيتي للذكرى وأحن اليه من وقت لاخر.
الستيني ابو عوض قال ان سنين الخير والبركة رحلت مع ذكريات بابور الكاز وجاروشة الطحين والمذراة والشاعوب والمنجل والغربال حيث كان من البابور انواع متعددة وبعد تطور صناعته اصبح من انواعه البريموس الاخرس او (الساكت) هذا كان لا يصدر صوت هدير وكان يستخدم في منازل الوجهاء والمخاتير نظرا لغلاء سعره واضاف ابو عوض اتذكر ان بابور الكاز كان يطلب من ضمن تجهيزات العروس شرط ان يكون غير مستعمل يعني (بكرتونته) واذا كانت العروس غالية عند عريسها يحضر لها مع الجهاز بابور الكاز الاخرس غالي الثمن, اما الحاج مفلح عودة فقد تحدث عن علاقتة بهذه القطعة المعدنية بالقول: اضافة الى الخدمات التي كان يقدمها لنا البابور رغم صغر حجمه, الا انني كنت في كثير من الاحيان اقوم بتشغيله والجلوس وحدي عنده لتأمل ناره وسماع صوته الذي يدعو الى السكينة والوقار, وأفضل السمفونيات كانت في ايام الشتوية ساعات الصباح عندما تتجمع العائلة حوله شرط ان يكون ابريق الشاي راكبا على ناره.
يقول ابو خضر انه عمل في بداية حياته في مهنة "تصليح بوابير الكاز" هي مهنة شارفت على الانقراض تماماً وهناك عدد من السمكرية في اسواق الزرقاء العتيقة ما زالوا يصلحون بوابير الكاز, مهنة مارسها اجدادنا من قبلنا وتعلمناها منهم بالوراثة وكنا نصنع نكاشات البابور ونبيع جلدة الدفاش لانها الاكثر عطلا والنكاشة تستعمل لنكش الفالة بحالة (التسطيم) والجرس او الطربوش لفرش النار والدفاش (المدك) يستعمل لزيادة الضغط على خزان البابور النحاسي المحكم الاغلاق وهذا ما يزيد من قوة نيرانه وصوته, يوجد للبابور مقاسات فمنها نمرة 1 ومنها نمرة 2 ويوجد بابور اخرس اي بدون صوت كانت الناس تتفاخر بأن بابورهم اصلي وماركته بريموس (صناعة السويد) وتزيد المفاخرة بين النساء اذا كان البابور اخرس ( ساكت) بدون صوت ولا يشحبر.
في هذه الايام ما زال العديد من كبار السن الجدات والاجداد في الريف الاردني يتعاملون مع البريموس بكل شوق ودفء وحميمية حيث ينظرون الى (موقد الغاز الحديث) نظرة شك وريبة وعدم اقتناع فأين هذا الصوت الشجي الهدار لصوت نار البابور?! انه بالنسبة للعديد منهم نغم جميل وموسيقا لا يستطيع في الصباح ان يفارقها ومنهم من لا يستسيغ شرب كاسة شاي الا من على ابريق الشاي على البابور وليس على الغاز.. ومنهم من لا يستطيع حتى القيلولة الا على صوت البابور المخدر للاعصاب.
ما احلى الرجوع اليه
(بابور الكاز)... من مطابخ الجدات الثريات الى المتاحف
2012/03/04
تعليقات