زواج الأقارب يسبب 82 مرضا!!





زواج الأقارب يسبب 82 مرضا!!

وفاة الأطفال من أهم نتائجه
∎ التخلف العقلي وأمراض الدم والفشل الكلوي من نتائج زواج الأقارب

∎ اللواء - طارق الحايك

ينتشر زواج الأقارب في كثير من المجتمعات العربية، ونتيجة للتقدم العلمي في علوم الوراثة في عصرنا الحاضر، وما صاحب ذلك التقدم من اكتشاف كثير من الحقائق العلمية التي لم تكن مفهومة في العصور الماضية، فقد كثر الحديث عن علاقة زواج الأقارب بالأمراض الوراثية.

وبينت الإحصائيات أن نسبة زواج الأقارب بين السعوديين هي 57.7% وهي الأكبر بين دول العالم في معدلات زواج الأقارب، وتزيد في الكويت على 40% من إجمالي الزيجات، وتبلغ حوالي 49% في فلسطين، و 38% في مصر ، وتنخفض هذه النسبة كثيرا في الدول الغربية لتصل إلى 1-2 % من عدد الزيجات في أمريكا مثلا.

خطر
وقد أكدت دراسات ارتفاع معدل خطر الإصابة ببعض الأمراض الوراثية بين الأطفال من زواج الأقارب علاوة على ازدياد نسبة الوفيات بين هؤلاء الأطفال، ويرى الأطباء أن الخطورة في مثل هذا الزواج تكمن في الأمراض الوراثية التي يحمل جيناتها الزوج والزوجة، ومع أن الأمراض من الممكن أن لا تظهر عليهما إلا أنها تُورثُ بعد الزواج للأطفال والأحفاد, أمثلة ذلك التخلف العقلي والجلاكتوسيميا وغيرها من أمراض خلل التمثيل الغذائي، ومرض الكبد (ويلسون) وضمور المخ، إلى جانب أمراض الدم الوراثية التي تشمل الأنيميا المنجلية، وأنيميا البحر الأبيض المتوسط (الثلاسيميا)، ومرض الكلية المتحوصلة الذي يؤدى للفشل الكلوي، كما يعتقد أن مرض الصرع والأمراض القلبية وأمراض الحساسية وداء السكري تزداد في بعض العائلات، وتتضاعف احتمالات توارثها بالتزاوج بين الأقارب.

أمراض
ورغم أن القاعدة الطبية الشرعية لا تمانع من زواج الأقارب، لكنها تحث على توخّي الحذر والحيطة، حيث تؤكد معظم الدراسات العلمية عن الأمراض الوراثية الشائعة، ومن أبرزها أمراض هيموغلوبين الدم "خضاب الدم" والعيوب الخلقية الاستقلابية والأمراض أحادية الجينات الشائعة، أنها السبب الرئيس للكثير من الأمراض والإعاقات لدى الأطفال، وقد كشف العديد من الأبحاث العلمية التي أجريت حول زواج الأقارب أن الإصابة بتلك الأمراض والإعاقات لدى الأطفال من أبوين قريبين واضحة بسبب عدم إجراء الفحص الطبي لدى الزوجين قبل الزواج، حيث تكون الفرصة أكبر لدى الزوجين من الأقارب في حمل صفات وراثية متنحية عندما يكون كل واحد من الأبوين حاملا للصفة المسببة للمرض.

زواج الأقارب يورث 82 مرضا، مثل الإجهاض المتكرر، الإعاقات المتعددة، مرض الحويصلات المتعددة بالكلية، مرض الثلاسيميا، مرض زيادة الحديد بالدم، مرض ضمور عضلات الوجه والكتفين، مرض الأورام المتعددة بالقولون، وزن المواليد يكون أقل من زيجات غير الأقارب، وغيرها من الأمراض.

مشاركة
يشارك كل إنسان أخاه أو أخته في نصف عدد المورثات التي يحملها، ويشارك أعمامه وأخواله في ربع عدد المورثات، ويشارك أبناء وبنات عمه أو خاله في ثمن عدد المورثات العامل الوراثي المتنحي في أحد الوالدين أو كليهما ليس له القدرة على التعبير عن نفسه، إلا إذا اجتمع مع عامل وراثي متنح مماثل له حينئذ تظهر الصفة الوراثية التي يحملانها معا في المولود على هيئة المرض المعني.

فإذا تزوج إنسان بابنة عمه أو خالته أو ابنة عمه أو خاله وكان كل منهما يحمل نفس العامل الوراثي المتنحي لمرض ما, فهناك احتمال إن 25% من أولادهما ستظهر عليهم تلك الصفة و50% منهم يحملون العامل الوراثي المتنحي بدون ظهور أية أعراض، 25% منهم لن يحملوا هذه الصفة. أما إذا كانت درجة القرابة بعيدة فإن احتمال وجود الجينات المماثلة أقل, وبالتالي يكون احتمال حدوث المرض في الأولاد أقل.

وإذا كان في الأسرة عوامل وراثية مرغوبة ليست في غيرها من الأسر مثل صفات الجمال والذكاء والقوة أو طول العمر وغيرها، حينئذ يكون زواج الأقارب أفضل من زواج الأباعد، شريطة ألا يستمر الزواج بين الأقارب جيلا حتى لا تتحول الأسر إلى مجتمعات صغيرة مغلقة، وهو ما ثبت وراثيا أنه مضر .

تغريب
وعلى الرغم من أن رسول الإسلام أمر بالتخيّر إذ قال "تخيروا لنطفكم" والتخيّر في عصرنا الحاضر أساسه الاستشارة الوراثية، فلا يوجد إطلاقا نص صحيح ينهى عن زواج الأقارب، وحديث "غربوا النكاح" لا يصح، وقد تزوج النبي من ابنة عمته زينب، والآية القرآنية صريحة: ﴿يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما﴾«33‏:50» ، وبينت سورة النساء المحرمات حصرا ﴿حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما‹23›والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما‹24›﴾؛ فما عدا ذلك من الأقارب فهو جائز قطعا، وهذا لا يمنع أن يفضل التقليل من زواج الأقارب حفظا على اتساع العلاقات والمصاهرة، وخشية أن تترسخ بعض الصفات الوراثية السلبية؛ فيكون من باب التفضيل وليس من باب التحريم.

زواج الأقارب لم يرد النهيُ في الشرع عنه، ولا الأمر به، وإنما ترك الأمر للإباحة، حتى تدرس كل حالة على حدة، فربما كان الأنسب أن يتزوج الرجل من قريبته، فربما كانت هناك اعتبارات اجتماعية ترجح الزواج مع القرابة، وربما كان الزواج من الأقارب يفضي إلى قطع الرحم، أو زيادة المشاحنات بين الأقارب، إن كان يعرف عن العائلة أن الود بينهم غير مستقر.

تغريب النكاح نصح به الرسول الكريم عليه السلام، ولم يقصد به تحسين النسل وتجنب الأمراض الوراثية فقط، ولم يقف كذلك عند حدود تمتين العلاقات الاجتماعية ومدها إلى نقاط أبعد من العائلة والعشيرة، بل قصد منه أيضا الحفاظ على الروابط العائلية ذاتها في حال نشوب الخلافات بين الزوجين، والتي لا تنحصر نتائجها بالقطيعة بينهما، بل ربما تمتد لتشمل ذوي القربى أنفسهم.

تعاملات
اختصاصي علم الاجتماع الأسري فتحي طعامنة يرى أن الحياة الزوجية أساسا عبارة عن مجموعة من التعاملات اليومية التي لا يستطيع الإنسان أن يفلت منها، مشيرا إلى أن هذه التعاملات قد تحمل في طياتها اختلافات في وجهات النظر والتفكير، الأمر الذي يسبب كثيرا من المشاكل.

وينوه طعامنة إلى أنه بالإمكان حل المشاكل التي تواجه الزوجين بكل سهولة، لكن في حال زواج الأقارب فإن الأمر يحكمه كثير من الضغوطات، لا سيما وأن أي قرار سلبي يأخذه الزوجان قد يؤثر سلبا على العائلة الممتدة، مضيفا أن الحالات التي تخاصم فيها إخوان وأخوات بسبب مشاكل وخلافات الأزواج كثيرة.

ويضيف طعامنة أنه ومن جانب آخر، يحدث في هذا الصنف من الزيجات نوع من التنازلات التي يخضع لها كل من الزوجين، إذ يتنازل كل منهما عن حقوقه الزوجية، على الرغم من أن ذلك لا يحقق لهما السعادة المنشودة من هذا الزواج، وقد يصل كل منهما إلى قرار بعدم القدرة على المواصلة والتحمل أكثر، لكن يظل جدار القرابة متربصا بهما، ويبقى التنازل مستمرا، مؤكدا أن زواج الأقارب أكثر خطورة على البعد الاجتماعي من أي أمر آخر، وأن الأهل الذين يشجعون هذا النوع من الزواج، لا يدركون مدى الشرخ الاجتماعي الذي قد يسببه، خصوصا عند تعرضه إلى بعض المشاكل التي تحدث بين الأزواج.

ويعتقد طعامنة أننا لم نصل بعد إلى مرحلة من التحضر في التعامل مع بعض المشاكل التي تحدث بين الأزواج الأقارب، مبينا ضرورة الفصل بين تلك الخلافات والعلاقات الأسرية، إذ إنه وفي بعض الأحيان يكون الانفصال هو المنفذ الوحيد لهذه المشاكل، والحفاظ على ما تبقى من احترام يحمله كل منهما للآخر.

ويشير طعامنة أنه إذا كان لا بد من الانفصال سواء بين الأقارب أو غيرهما، فيجب أن يكون المجتمع أكثر وعيا وتحضرا في إنهاء العلاقة بين الأطراف المتنازعة، لتحقيق ما يسمى بـ "الانفصال الناجح".

آثار نفسية
وحول الأثر النفسي لهذا الزواج يرى الدكتور جمال الخطيب أن هذا الأثر يكون مزدوجا، إذ يحمل نوعا من الإيجابية للبيئة الاجتماعية والاقتصادية المتشابهة للطرفين، إضافة إلى اعتباره فرصة للتواصل العائلي، مضيفا أنه وفي المقابل يسبب زواج الأقارب بعض الحرج للزوجين، الأمر الذي قد يعرض كلا منهما لنوع من الضغوط النفسية التي تنتج عن عجزهما عن البوح بكل ما يضايقهما، أو حتى التعبير عن اختلاف وجهات نظرهما حيال العديد من الأمور الزوجية، عازيا السبب إلى صلة القرابة التي تربط بينهما إذ لا يعود الأساس في هذه العلاقة الزوجية متمثلا بالتفاهم، بل بكونهما أقارب فقط"، الأمر الذي يؤثر سلبا على نفسيتهما.

طريقة غير سليمة
بدورها تؤكد التربوية أمل العلمي أن هذا النوع من الزواج يتم بطريقة غير سليمة غالبا، ونزولا عند رغبة الأهل، وتكون المشاعر غير سوية، والزواج واقعا تحت محددات مادية على حساب العلاقة الزوجية والأسرية، فتنتج عنه علاقات مضطربة، ويقع كلاهما تحت حيرة تلبية رغبات الآخرين، وتبقى العلاقات الأسرية هي التي تؤثر على الزوجين، في حين تظل العلاقة الزوجية تحت إدارة خارجية يحكمها الأهل.

وتؤكد العلمي أن الفتاة عموما تحاول بزواجها أن تحقق طموحاتها وتمنياتها، لكن زواجها من قريب قد يسبب لها نوعا من خيبة الأمل، عند العجز عن تلبية هذه الطموحات، فيضطر كل منهما إلى تقديم تنازلات إرضاء لصلة القرابة التي تربط بينهما ما يولد ضغوطا نفسية كبيرة لكليهما، وأن كثيراً من الأسر تعتبر تمرد أحد الأزواج على زواج الأقارب، والارتباط بغريب، نوعا من الانشقاق على التقاليد، مشيرة إلى أنه يجب عدم ربط الزواج بالعادات والتقاليد، ومشيدة بقرار الحكومة إجراء فحص ما قبل الزواج، في محاولة للحد من هذه الظاهرة التي قد تحمل آثارا سلبية على سائر مناحي الحياة.

تشوهات
وتوصل باحثون في المركز القومي للبحوث بمصر والذين أجروا دراسات عديدة على الأمراض الوراثية وعلاقتها بزواج الأقارب أن هذا الزواج ينتج عنه ولادة أطفال مصابين بتشوهات جسدية وعقلية، وقد أظهرت هذه الدراسات أهمية قضية زواج الأقارب وعلاقتها بزيادة نسبة حدوث التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية، ذات الصفة المتنحية، حيث يكون الأب أو الأم حاملين لمرض وراثي معين ولا تظهر عليهم أية أعراض، وعند زواجهما وبعد حدوث الحمل تنتقل الجينات مناصفة إلى الأبناء، ومن هذه الدراسات دراسة أجريت على 100 حالة من حالات الأطفال الذين يعانون من التخلف العقلي بدرجات متفاوتة نتيجة لأسباب مختلفة ومتعددة، حيث وجد أن أكثر من 65 % من هؤلاء الأطفال كانوا لآباء وأمهات أقارب من الدرجة الأولى أو الثانية.

تكرار
كما أثبتت دراسة أخرى تكرار ظهور أكثر من مرض متنحٍ في نفس العائلة كنتاج لزواج الأقارب، بالإضافة إلى اكتشاف بعض الحالات الوراثية النادرة والتي لم يتم اكتشافها ونشرها من قبل في الدوريات العالمية.

وأفادت الإحصائيات العالمية والمحلية أن أعلى معدلات الإصابة بأنيميا البحر الأبيض المتوسط، المعروفة بالثلاسيميا الوراثية، تقع في الدول المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، ويزداد احتمال وفرص ظهورها بين الأطفال من أزواج أقارب والحاملين لجينات هذا المرض، وأن أعلى نسبة للحالات المرضية المرتبطة بالحمل، مثل فقر الدم وتسمم الحمل والنزيف والإجهاض، وزيادة العمليات القيصرية، كانت بين الأمهات المتزوجات من أقاربهن.

ووفقا للنظريات العلمية، فإن وجود مرض وراثي في أحد الوالدين ينقله عامل وراثي سائد، فإنه يعبر عن نفسه بنسبة 50 % من الأبناء ولا يظهر في الآخرين، أما في حالة العوامل الوراثية المتنحية فلا بد أن تكون موجودة في كل من الأب والأم معا ليظهر المرض في نسبة معينة من الأبناء يجتمع لديهم عاملان وراثيان متنحيان ولا يظهر في من ينتقل إليه عامل وراثي متنح واحد، وهذه العوامل الوراثية السائدة أو المتنحية، لا تحمل صفات غير مرغوب فيها أو أمراضاً فقط بل قد تحمل صفات مرغوباً فيها أيضا.

ورغم خطورة الأمراض الوراثية وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع، فإن الوقاية منها وتفادي ظهورها وانتشارها ممكن، شريطة الوعي بضرورة ذلك، وبناء على أن "الوقاية خير من العلاج"، دعا الأطباء إلى ضرورة تبني الاستشارات الوراثية قبل الزواج وقبل الحمل.

وتتركز أفضل طرق الوقاية من الأمراض الوراثية في فحوصات ما قبل الزواج التي تساعد في التنبؤ عن احتمال إصابة الذرية بمرض وراثي إلى حد ما، عن طريق فحص الرجل والمرأة، وبحسب نوع المرض يمكن الحديث عن إمكانية تفادى حدوثه أو لا.

التاريخ : 2012/05/08

تعليقات