عارف العارف.. من معسكرات الأسر في سيبيريا إلى حبل المشنقة في فلسطين.. إلى كرسي الوزارة في الأردن

يذكر كتاب»من أعلام الفكر والأدب في فلسطين»لمؤلفه الأديب الأستاذ يعقوب العودات»البدوي المُلثــَّـم»أن عارف العارف ولد في القدس الشريف في عام 1892م وأتمَّ دراسته الابتدائية فيها، ثمَّ ارتحل وهوما يزال فتى صغيرا إلى إسطنبول ليكمل دراسته الثانوية فيها، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعتها التي كانت تسمى آنذاك»دار الفنون»في عام 1914م وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي، وعندما كان يدرس في جامعة اسطنبول اندلعت الحرب بين الأتراك والروس، وكان واحدا من الآلاف الذين زُجَّت بهم في تلك الحرب حكومة حزب الاتحاد والترقي التي كانت على علاقات وطيدة بالصهيونية العالمية وبالمحافل، وكان من حسن طالعه أن يكون واحدا من أحد عشر عسكريا بقوا أحياء بعد أن أباد الروس كتيبة كاملة من الجيش التركي، فوقع أسيرا وأمضى فترة أسره في سيبريا في ظروف لا يتحمَّلها إلا أولوالعزم من الرجال»1915م إلى عام 1917م»، وفي أثناء مكوثه في الأسر استطاع عارف العارف أن يتعلم بضع لغات من لغات الأسرى الذين ازدحم بهم السجن، فتعلم الألمانية والفرنسية والعبرية والإنجليزية، كما تعلم الروسية من مخالطته للحراس الروس، وتمكـَّـن العارف من الهرب من الأسر مع واحد وعشرين أسيرا عربيا واستغرقت رحلة عودته إلى القدس الشريف عدة أشهر، وبعد استقراره في القدس انضمَّ العارف إلى رجالات الحركة الوطنية الفلسطينية الذين كان يذكي حماسهم للعمل الوطني ما كانوا يشعرون به من خيبة أمل بعد انقشاع حلمهم بتحقيق الاستقلال لفلسطين وبقية البلدان العربية بسبب غدر الإنجليز بالشريف الحسين بن علي ونكثهم لعهودهم التي قطعوها له بمساعدة العرب على توحيد بلادهم تحت ظل دولة عربية موحدة بزعامته؛ ما أدَّى بدلا من أن تستقل إلى وقوعها تحت سيطرة المستعمرين الإنجليز الذين كانوا يجاهرون بدعم المخططات الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين على حساب شعبها العربي، وعندما اندلعت أول اضطرابات بين العرب واليهود في موسم النبي موسى عليه السلام وسقط فيها عدد من القتلى اليهود، سارع الإنجليز إلى القبض على عارف العارف بتهمة التحريض على الاضطرابات، ولكنه تمكن من الفرار من سجن الإنجليز إلى سوريا برفقة الحاج أمين الحسيني، ولم تلبث محكمة عسكرية إنجليزية أن حكمت عليهما بالإعدام، وفي سوريا أخذا يعملان للقضية الفلسطينية من خلال»الجمعية العربية الفلسطينية»التي أسَّساها مع عدد من رجالات الحركة العربية الوطنية التي كان عارف العارف سكرتيرها العام، ولما أحكم المحتلون الفرنسيون السيطرة على سوريا وأسقطوا الحكومة العربية الفيصلية لجأ عارف العارف إلى شرقي الأردن ثم عاد إلى القدس، وأعاد الإنجليز محاكمته حضوريا وتمكن المحامي السلطي عبد الله محمد الخطيب من انتزاع الحكم ببراءته، وأسَّـس العارف في عام 1920م مع الحاج أمين الحسيني ورفيق التميمي ومحمد عزة دروزة ومعين الماضي»جمعية النهضة الفلسطينية»، وفي عام 1921م خيَّره المستعمرون الإنجليز بين قبول الوظيفة في حكومة الانتداب أوالنفي خارج فلسطين، فاشترط عليهم لقبول الوظيفة ليبقى في وطنه قريبا من الأحداث أن يبقى على قناعته بمبادئه السياسية والوطنية فوافقوه على شرطه، فعمل في الوظيفة سبعا وعشرين عاما من عام 1921م إلى عام 1948م، شغل خلالها مناصب مختلفة منها قائمقام جنين ونابلس ويافا وبيسان، وفي عام 1926م انتدبته حكومة الانتداب ليعمل في حكومة إمارة شرقي الأردن التي كانت تسمى»حكومة الشرق العربي»فشغل منصب السكرتير العام في حكومة الرئيس حسن خالد أبوالهدى الصيَّـادي المشكـَّـلة في 26/ حزيران /1926م، ثمَّ شغل منصب وزير الأشغال العامة في حكومة الرئيس هزاع المجالي المشكلة في 15/ كانون الاول /1955م والتي استقالت في 20/ كانون الأول /1955م أي بعد ستة أيام من تشكيلها.

ولعل أثمن ما قدَّمه الوزير عارف العارف للقضية العربية والإسلامية بشكل عام وللقضية الفلسطينية بشكل خاص ما كان يبديه من جلد وكفاءة وصبر في تدوين الأحداث التي كانت تمرُّ بها قضية فلسطين والقضايا العربية والإسلامية، حتى ليكاد يكون من أكثر رجالات الحركة العربية الوطنية اهتماما جادا بتوثيق الأحداث وتسجيلها، وما زالت مؤلفاته الموسوعية المرجعية عن القضية الفلسطينية المرجع الأهم في دراسة أوضاع القضية الفلسطينية وأوضاع الأمة العربية منذ بدايات الصراع الإسلامي / العربي / الفلسطيني.

وكان الدكتور عارف العارف يتمتع بقدرات صحافية مكـَّـنته من ممارسة مهنة الصحافة حتى في أحلك الظروف، ففي أثناء وجوده في الأسر في روسيا أصدر مجلة هزلية للترويح عن الأسرى العرب أطلق عليها اسم»ناقة الله»، وربما استفاد من تحرير مجلته من الخبرة التي استفادها أثناء عمله في جريدة»بيام»التركية أثناء دراسته الجامعية في استانبول (1914)، وبعد عودته من الأسر واستقراره في القدس أصدر الدكتور عارف العارف بالاشتراك مع الصحافي حسين البديري جريدة أطلقا عليها اسم»سوريا الجنوبية»وكانت تنطق باسم»النادي العربي»الذي كان العارف من مؤسِّـسيه، والذي كان أقرب أن يكون حزبا سياسيا من كونه ناديا رياضيا وثقافيا، وكان شعار النادي عبارة من كلمتين هما»أرضنا لنا».

نبذة عن نسب آل العارف

ينتمي الوزير عارف العارف إلى عائلة مقدسية كان أبناؤها يتداولون أرفع المراكز في المؤسَّـسات المقدسية، وكان الوزير عارف العارف رئيسا لبلدية القدس لبضع مرات، ويورد كتاب»معجم العشائر الفلسطينية»لمؤلفه الباحث محمد محمد حسن شرَّاب أسماء ست عائلات فلسطينية تحمل اسم عارف دون إعطاء تفاصيل عن أصولها وجذورها وتتوزَّع في حوسان ودير الغصون وبرقة ويعبد والشجاعية وأبوديس، ويورد اسمي عائلتين تحملان اسم العارف إحداهما في الدهيشة والأخرى في القدس الشريف يذكر أن الوزير عارف العارف ينتمي إليها، ولكن دون إعطاء معلومات عن جذورها.ويكتفي كتاب»قاموس العشائر في الأردن وفلسطين»لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري بإيراد اسم عائلة تحمل اسم عارف دون إعطاء معلومات عن جذورها أومكان سكنها، وتحدَّث كتاب»بلادنا فلسطين»لمؤلفه المؤرخ مصطفى مراد الدبَّاغ في مواضع كثيرة عن الوزير عارف العارف ومواقفه الوطنية وإنجازاته الأدبية والصحفية، ولكنه لم يتحدث عن أصول عائلته.»سأكون شاكرا لمن يزوِّدني بأسماء مراجع تتحدَّت عن جذور عائلة آل العارف الكريمة».
التاريخ : 04-06-2012

تعليقات