أديب وهبة.. من فرسان الحركة الوطنية



صورة 
 
 
هزاع البراري - سياسي وعسكري ورجل تربية وأدب هو «محمد أديب» بك حسين وهبة والمعروف بـ «أديب وهبة»، الذي تحرك في المنطقة العربية خائضاً مجاهل حياته العملية، التي قادته إلى آفاق ومصاعب كبيرة، أثبت خلالها قدراته الفذة ومؤهلاته التي عز نظيرها في تلك الفترة، فهو ابن التحولات الكبيرة بلا منازع، فقد حمل حلمه بحرية العرب وأحقيتهم بالاستقلال طوال سنوات عمره، ودفع في سبيل تحقيقه الكثير من راحته ومستحقاته الوظيفية، وكان مستعداً دائماً في كل مرحلة التضحية بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق أهداف الأمة، وهذا ما فعله غير مرة، فقد بقي قابضاً على جمرة النضال الوطني طوال حياته، ولم يتخل في يوم من الأيام عن واجبة في خدمة أمته ووطنه، وسعيه الدائم للمساهمة في تحقيق مستقبل أفضل للأردن الذي كرس له سنوات عمره الغنية بالعمل المتميز.
ينتمي أديب وهبة إلى عائلة وهبة المتواجدة في السلط والقدس، فقد ارتحل جدهم حسين من القدس إلى نابلس، محتجاً على قسمة أراضي العائلة في منتصف القرن التاسع عشر( د. هاني العمد. أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط ) وما لبث الجد حسين أن ترك نابلس منتقلاً إلى مدينة السلط، التي أقام فيها وعمل فيها محاسباً في بلدية المدينة، وقد تزوج من السيدة حسبة مصطفى العربيات، التي أنجبت له نمر وأديب وثلاث بنات ، وأصبح أحد رجالاتها في وقت قصير، حيث شهدت السلط في تلك الفترة حراكاً اجتماعياً وديموغرافياً كبيراً، خاصة مع مدينتي نابلس والقدس، وقد منح هذا التنوع ثراءً ثقافياً وتجارياً واضحاً بين هذه المدن. فقد ولد أديب وهبة في السلط عام 1892، ونشأ في كنف والده في السلط، التي خبر منذ صعره حاراتها وشوارعها وأزقتها، وقد تلقى تعليمه الأولي فيها، وعندما اشتد عوده وتفتح وعيه، انتقل إلى مدينة القدس التي اعتاد أهالي السلط زيارتها وتبادل التجارة معها.
التحق أديب وهبة بمدرسة إعدادي القدس التي تخرج منها بشهادة درجة فوق الأعلى حسب النظام التعليمي العثماني حينها، وكان تخرجه من المدرسة عام 1910، ونظراً لندرة الشهادات العلمية ولما تمتع به أديب وهبة من مؤهلات ثقافية وسمات شخصية قوية، فتحت أمامه فرصة الحصول على وظيفة معلم، حيث عين معلماً للتاريخ والجغرافيا في المدرسة السلطانية في القدس، وقد عين في الوقت ذاته وكيلاً لرئيس المعيدين خلال الفترة بين عامي 1914 و1915، وفي شهر حزيران من عام 1915 التحق بالخدمة العسكرية، عندما التحق بالكلية العسكرية الحربية في اسطنبول، التي تخرج منها ضابطاً برتبة ملازم ثان، فقد انضم إلى الجيش العثماني المرابط في العراق المرابط قريباً من بغداد،وقد خاض الجيش العثماني حرباً مع الجيش البريطاني الذي حقق الانتصار، واحتل البريطانيون بغداد، وقد وقع أديب وهبة في الأسر، بعد أن تعرض لجروح خطيرة، حيث بقي في مستشفى بغداد لعدة أيام.
نظراً لما تميز به من كفاءة عالية فقد عين كاتباً في القسم العربي بوزارة المالية العراقية عام 1917، رغم معرفته الإنجليز بميوله الوطنية المناهضة لوجود المستعمرين في البلاد العربية، غير أن معرفته العميقة باللغة العربية وشهرته في تدريسها، جعلت أعضاء مجلس المعارف العراقي يطالب بنقله إلى المعارف ليدرس اللغة العربية، وهذا ما حدث بالفعل، فعمل مدرساً في دار المعلمين في بغداد، وكان وهبة يتقن التركية والفرنسية بالإضافة إلى اللغة العربية وملم إلى حد جيد باللغة الإنجليزية، وقد أبدع في تدريس اللغة العربية وآدابها، وقد وصله نبأ تقدم الثورة العربية من الحجاز باتجاه الشمال، فقدم استقالته من التدريس وقرر اللحاق بركب الثورة، وقد وصل إلى جيش الثورة في العقبة، فعين كابتاً للمحررات الرسمية – الكتب الرسمية - في ديوان الأمير فيصل بن الحسين برتبة ملازم أول، بعد ذلك فترة وجيزة عين مفوضاً عسكرياً للأمير فيصل في فلسطين لغاية جمع المطوعين الذين يرغبون بالالتحاق بجيش الثورة، وقد تمكن من تجنيد ألفي جندي وضابط لهذه الغاية.
بعد انتصار الثورة العربية وتحرير دمشق، تم تعيين أديب وهبة مديراً للإعاشة في البلاط الملكي برتبة رئيس، بعدها عين معاوناً لمدير إدارة البلاط، غير أن حنينه للجيش والخدمة العسكرية بقي يلاحقه، حتى طالب بعودته للجيش، فتم تعيينه قائداً لسرية درك حاصبيا وراشيا ( 1919 – 1920 ) وعندما تم تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، عين أديب وهبة قائداً لسرية درك السلط حيث رقي إلى رتبة قائد في 21 أيار 1921، وقد ساهم في جهود تحقيق الأمن وبسط سلطة الدولة الناشئة، وقد ساعده في ذلك كونه أحد أبناء السلط الأوفياء مما سهل عليه مهمته في منطقة البلقاء الحيوية، وكانت خدمته في قوات الدرك ناجحة بامتياز، فهو شخص اعتاد النجاح والتميز في كل عمل يقوم به، غير أن حاجة الوطن في تلك الفترة للشباب المتعلم في ازدياد متواتر، فتم اختياره مديراً عاماً لدائرة المعارف بتاريخ 8 آب 1921، نظراً لخبرته في مجال التربية والتعليم، وفي عام 1923 تم نقله بضغط من الإنجليز من مدير عام للمعارف إلى مدير لمدرسة السلط الثانوية، بسبب نشاطاته الوطنية والنضالية، وقد اعتبر أديب وهبة ذلك إهانة كبيرة له فقرر الاستقالة.
زاد غضب الإنجليز عليه بعد استقالته، وضغطوا على حكومة مظهر ارسلان ليتم اعتقاله مع عدد من رجالات الحركة الوطنية، فالتجأ إلى بادية الشام حيث بقي فيها حتى صدر عفو أميري، فقرر العودة إلى عمان ليتم تعيينه في حزيران 1924 رئيساً للجنة مساحة اربد، وبقي في عمله هذا حتى عين من جديد مديراً عاماً للمعارف في شهر أيلول عام 1924، وخلال هذه الفترة مثل الأردن في المؤتمر الذي عقدته الدول المنفصلة عن الدولة العثمانية لبحث الديون العثمانية، والذي عقد في اسطنبول وجنيف ولندن، ليدخل بعدها أديب وهبة الحكومة وزيراً للمعارف في حكومة حسن خالد أبو الهدى الصيّادي، المشكلة في 11/9/1926، وبقي بمنصبه حتى شهر تشرين الأول 1929.
بعد بضع سنوات قرر مجلس الوزراء تعيين أديب وهبة قنصلاً في القاهرة وفي 18 كانون أول عام 1941، ليمثل حكومة شرق الأردن لدى المملكة المصرية، بعدها نقل قنصلاً للأردن في فلسطين، لينقل بعدها مديراً لمديرية البرق والبريد لفترة وجيزة، وخلال الفترة ( 1943-1944 ) أعيد تعيينه للقيام بأعمال مدير مديرية المعارف حتى نهاية عام 1944 حيث أحيل على التقاعد، وقد وجه مجلس الوزراء رسالة عن طريق وزير المعارف مسلم العطار بدأه بـ « حضرة العالم المفضال والمربي الكبير أديب بيك وهبة المبجل» دلالة على مكانته الكبيرة والمقدرة.
عرف أديب بيك وهبة بحبه للسياسة فقد كان وطنياً ناشطاً منذ شبابه الباكر ضد العثمانيين ومن بعدهم الإنجليز، فقد تبنى الطروحات التي قدمتها الحركة الوطنية العربية، وانتسب إلى حزب الاستقلال العربي، حيث كان من مؤسسي فرع الحزب في الأردن، وشارك في تأسيس حزب أحرار الأردن برئاسة علي خلقي الشرايري عام 1923، وشارك في تأسيس الحزب الوطني الأردني عام 1936 برئاسة الدكتور محمد صبحي أبو غنيمة، وقد حمل هم القضايا العربية الساخنة المتعلقة بوطنه الأردن والعراق وفلسطين وسوريا وتواصل مع الزعيم الليبي المناضل محمد الإدريسي السنوسي، قائد الثورة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي، وبقي على تواصل معه ومؤازراً للثورة الليبية حتى انتصارها، حيث أصبح صديقه محمد السنوسي ملكاً على المملكة الليبية. يعتبر السياسي والتربوي أديب وهبة، من جيل الرواد في كتابة القصة القصيرة، فهو أديب مجيد، ليس محباً للأدب وحسب، بل مبدع من جيل الرواد في الكتابة الإبداعية خاصة في القصة القصير، وقد ساعده في ذلك معرفته العميقة باللغة العربية، وإتقانه الكبير لها، بالإضافة لما تمتع به من ثقافة موسوعية غنية، وقد ترك بعد رحيله عدداً من مخطوطات القصص القصيرة، المكتوبة بلغة رشيقة وجميلة، حيث تميز بالنشاط ويفيض حيوية والقا حتى وفاته في الثالث عشر من شهر أيار 1949.

hbarari54@hotmail.com

تعليقات