الفقر وغياب مراكز التأهيل يفاقمان معاناة المعاقين في الأردن






عمان - ماهر الشوابكة
الخميس ٢٧ سبتمبر ٢٠١٢


ليست أم عادل المرأة الوحيدة في الأرياف الاردنية التي تقف عاجزة أمام إعاقة ابنائها، لا تعرف من أين وكيف يمكنها أن تساعدهم في التخفيف من وطأة اعاقتهم، بعد أن وُلد ولداها التوأمان مصابين بالشلل الدماغي، وعلى رغم انهما تجاوزا سن الدخول إلى المدرسة بسنوات إلا انهما ما زالا أميين لا يعرفان حتى كتابة اسميهما.
تزداد معاناة ام عادل مع تقدم ابنيها في العمر، فهما يزدادان وزناً لا تـقوى مـعه على خدمتهما، في الوقت الذي لا تـجد فيه أحداً لمـساعـدتها في ذلـك، حتى زوجـها، الذي يمضى طوال نهاره في عمله في مزارع الـغور الـشــمالي في وادي الأردن.
لا حل لمشكلة العائلة، يضيف ابو عادل، الذي لوّن غبار الزمن شعره بالرمادي، ورسمت المعاناة شكلها بقساوة على ملامح وجهه الاسمر وجسده المنهك المتهدل بأسمال بالية فقدت لونها. لا دخل يكفي لاستئجار فنيّي علاج طبيعي يساعدهما على خدمة نفسيهما، ولا وجود لمركز علاجي متخصص يتعامل مع حالتيهما.
فقط الحرمان منهما، بوضعهما في مركز رعاية في العاصمة التي تبعد أكثر من 100 كلم، يمكن أن يحل المشكلة، «ما يعني نهاية حياتنا، فأنا وزوجتي متعلقان بهما أشد التعلق ولا نقوى على مفارقتهما»، يقول أبو عادل متحسراً.
وكانت دراسة متخصصة أعدها عميد كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة في الجامعة الهاشمية الدكتور عمر هنداوي، بعنوان: «رياضة الأشخاص المعوقين وسوق العمل»، كشفت ان حاجة الأردن إلى الكوادر المؤهَّلة للعمل في مجال رياضة الأشخاص المعوَّقين تصل إلى تسعة آلاف مؤهل، إذ يحتاج كل 30 معوقاً إلى رياضي مؤهل واحد، بينما يحتاج الوطن العربي إلى ما لا يقل عن 900 ألف شخص مؤهل».
لا تقوى أم احمد، من بلدة دير يوسف في لواء المزار الشمالي، على كبح دموعها كلما شاهدت ابنتيها هدى (35 عاماً) وصبحية (33 عاماً)، اللتين تعانيان الصمم والعمى، حبيستَي المنزل، لا تقويان على خدمة نفسيهما، في ظلّ غياب مركز متخصص في المنطقة يساعدهما على التدرب والتعلم معاً.
وتنعكس نتائج هذه الإعاقات احياناً على استقرار الأسر، نتيجة الضغوط المختلفة التي تقع على أفراد الاسرة، ولعل قصة إحدى سيدات لواء المزار الشمالي، وهي أم لثلاث فتيات، ماثلة للعيان، بعد ان أوصلت إعاقاتُ بناتها الثلاث الى حد القطيعة بين رب الاسرة وبين بناته، اللواتي يعانين شللاً دماغياً شديداً، وتتراوح اعمارهن بين 32 و35 عاماً، نتيجة الأعباء الثقيلة التي وقعت على كاهله، في ظلّ عدم وجود مراكز إيواء تحمل جزءاً من المعاناة اليومية.
ويؤكد تقرير البنك الدولي حول الإعاقات في دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ان نسبة الاشخاص ذوي الاعاقة في الاردن تصل في أدنى تقدير إلى (4 أو 5 في المئة) من عدد السكان اي ما يعادل 300 الف شخص. ويصرف صندوق المعونة الوطنية معونات شهرية رمزية تقدر بـ 25 ديناراً عن كل معوّق، وتعتبر الجهات الرسمية أن المبلغ يساهم في سد جزء من حاجات تلك الاسر، غير ان هذه الاسر ترى انه لم تعد يكفي لدفع أجرة نقل المعوّق إلى أطبائه.
ابو عمر، والد عمر (19 عاماً) وجهاد (16 عاماً)، وهما معوّقان من بلدة دير يوسف، يقول إن التنمية الاجتماعية لم تسعفه إلاّ براتب معونة شهرية بقيمة 20 ديناراً، من دون وضع ابنائه في مركز تربية خاصة، لكونه يتقاضى راتباً يبلغ 400 دينار، موضحاً ان حال ابنائه في التخلف العقلي المتوسط تسوء يومياً، ولا يقدر على فعل شيء لهما، على رغم مراجعته الجهات المعنية بحالهم.
ويتساءل ابو عمر، وهو معلم مدرسة، بقلق عن مستقبل ولديه الأميين، فهما لا يعرفان الكتابة ولا القراءة، بسبب عدم وجود مراكز تربية خاصة في اللواء، ويقول: «إقامة مثل هذا المركز ستخفف من معاناتنا، اضافة الى اكسابهما مهارات وسلوكيات تحسِّن من معيشتهما».
قصص المعاناة هذه هي لأسر ترزح تحت وطأة الفقر، وتحتضن بين جدران منازلها اطفالاً وشباباً في مقتبل العمر من ذوي الحاجات الخاصة، تتفاقم أوضاعهم باستمرار في غياب من يرعاهم ويتابع قضاياهم ويتحسس طموحاتهم وآمالهم، وهو بسبب عدم وجود مراكز للتربية الخاصة، وهم يطالبون باستمرار بمراكز إيواء تلفهم تحت جناحيها، بدل تشردهم في الازقة وكروم الزيتون وشقوق الصخور.
وكان رئيس قسم احصاءات الفقر في دائرة الاحصاءات العامة عبد الفتاح جرادات، كشف عن أن دراسة لنسبة الفقر في المملكة ستطلق الشهر المقبل، تحوم حول 15 في المئة، غير ان مدير التنمية الاجتماعية في لواء المزار الشمالي فيصل عبيدات، يعطي أملاً للأهالي بأن انشاء مركز للتربية الخاصة في اللواء بات قريباً، وهو مدرج على مشاريع المحافظات من دون أن يحدد موعداً لتنفيذه، مشيراً الى ان وزارة التنمية على علم بصورة المخاطبات والمطالبات بهذا الصدد.
وتقدِّر أمينة عام المجلس الأعلى لشؤون الاشخاص المعوَّقين الدكتورة امل نحاس، كلفةَ شراء خدمات التعليم للاشخاص المعوقين في الاردن بـ 3 ملايين دينار سنوياً، من المؤسسات التطوعية والحكومية والقطاع الخاص، في ظل عدم توافر جمعيات تطوعية في المنطقة.

تعليقات