غياب التأمين يترك عائلات بلا علاج في الأردن

غياب التأمين يترك عائلات بلا علاج في الأردن



عمان - ماهر الشوابكة
الخميس ٤ أكتوبر ٢٠١٢


تضطر أم سليم في كثير من الاوقات إلى أن تخفي الألم الذي يلازمها منذ سبعة أشهر جراء إصابتها بكسر في حوضها، خوفاً -كما تقول- من أن تكبِّد ابناءها مبالغ مالية جديدة، فهم لم يستفيقوا بعد من ثقل هَمِّ القرض الذي حصلوا عليه ليؤمنوا كلفة العملية التي أُجريت لها لتجبير حوضها الذي «يبدو شفاؤه بعيداً».
تتكئ أم سليم على «ووكر» استلفه ابناؤها من الجيران، وتتكلف عناء السير على قدميها، التي نسيت كيف كانا يسيران بحركة متناسقة، وتتظاهر بالأمل خوفاً من أن يلاحظ ابناؤها إعياءها. أم سليم فقدت زوجها الذي كان يعمل محاسباً في إحدى شركات المقاولات قبل اكثر من 5 سنوات، وترعى ابنها الذي لم يمض على استلامه العمل اكثر من عام، وابنتيها اللتين لم تكملا الجامعة بعد، وتؤكد ان اقامتها في المستشفى استنفدت كل ما كانت تدّخره «للأيام السود»، فهي فقدت التأمين الصحي لها ولأولادها بمجرد وفاة زوجها، ولم تعد تقوى على مراجعة الأطباء الا في حالات المرض الشديد، بعد ان تستدين من إخوتها ذلك.
معاناة أسرة أم سليم تتكرر لدى الكثير من الاسر التي يعمل معيلها في القطاع الخاص، الذي لا يوفر «الضمان الاجتماعي» أيَّ حماية لمنتسبيه وعائلاتهم لما بعد التقاعد او الوفاة، فيضطر أفرادها الى تقديم الاسترحامات لدى الجهات الرسمية والجمعيات الخيرية من اجل الحصول على العلاج.
ويبلغ عدد الأردنيين المنتفعين من التأمين الصحي الخاص 600 ألف منتفع، يحصلون على خدمة التأمين الصحي من شركات أو صناديق متخصصة من أصل 6 ملايين نسمة، كما تبلغ نسبة المؤمَّنين صحياً في القطاعين الخاص والعام في المملكة، وفق تصريحات رسمية، 87 في المئة. وبلغت أقساط التأمين الصحي الخاص حوالى 200 مليون دينار، في حين ان النفقات شكّلت ما نسبته 90 في المئة من قيمة الأقساط، وفق إحصاءات الاتحاد الأردني لشركات التأمين لنهاية العام الماضي.
غير ان معاناة من يحوز التأمينَ الصحي الحكومي من المواطنين، وأغلبهم في العادة من موظفي الدولة وعائلاتهم، تختلف كثيراً عن معاناة من يعمل في القطاع الخاص، فرغم انهم وعائلاتهم يتمتعون بهذا التأمين مدى الحياة، إلا أنهم يؤكدون عدم استخدامه في اغلب الاوقات، بسبب تدني مستوى الخدمات فيه، بل تردّيها في كثير من الاحيان، ما يجعلهم يُحجمون عن استخدامه إلا في حالات العسر الشديد.
وكان وزير الصحة الأردني الدكتور عبداللطيف الوريكات، كشف عن ان موازنة وزارته، التي تبلغ أكثر من نصف بليون دينار سنوياً وتشكل نحو 8 في المئة من موازنة الدولة، ينفَق منها على الرعاية الصحية الثانوية نحو 80 في المئة وعلى الرعاية الصحية الأولية نحو 20 في المئة.
وأشار وريكات إلى أن الأردن يسعى لتحقيق التأمين الصحي الشامل عام 2012 عبر الاستمرار في تنفيذ برامج التأمين الصحي، وأبرزها شمول أبناء المناطق النائية والأشد فقراً، وشبكة الأمان الاجتماعي، والأطفال دون الست سنوات، ومتلقّي الدعم من صندوق المعونة الوطنية، والمعوَّقين، والمتبرعين بالدم، والأعضاء، وكبار السن، والحوامل بالتأمين الصحي. وبلغت نسبة المشمولين بمظلة التأمين الصحي لدى القطاعات المختلفة أكثر من 87 في المئة من المواطنين. ولفت إلى أن الأردن ينفق على القطاع الصحي نحو بليون ونصف بليون دينار تشكل 9.5 في المئة من الدخل القومي الإجمالي. وبيّن وريكات أن الوزارة تقدم خدماتها الصحية من خلال 693 مركزاً صحياً شاملاً وأولياً وفرعياً، تشتمل على 432 مركزاً للأمومة والطفولة، و396 عيادة أسنان، إضافة إلى وجود 12 مركزاً للأمراض الصدرية و33 مستشفى، منها المتخصص بالأمراض النسائية والأطفال والصحة النفسية.
ووفق رئيس جمعية التأمينات الصحية الخاصة الدكتور نذير الباتع، فإن قطاع التأمين الصحي في الأردن يشهد تطوراً هائلاً، بسبب الارتفاع في كلفة الرعاية الصحية، مما يشكل عبئاً كبيراً على القطاع العام ويدفعه الى نقل المسؤوليات الى القطاع الخاص، اضافة الى بحث المواطنين عن جهات تتحمل خطر الارتفاع في الأسعار ضمن أقساط ثابتة، والبحث عن خدمة أفضل، فالشركة لديها القدرة على تحمل الخطر بسبب توزيع المخاطر لديها عن طريق التنوع في الاستثمارات.
وأشار الى ان عدد شركات إدارة النفقات الصحية العاملة في الأردن 13 شركة، بحجم استثمار يتجاوز 13 مليون دينار، تتمثل أهميتها بنوعية العمل الفني الذي تقدمه والذي تنطوي عليه انعكاسات كبيرة في إدارة عملية التأمين الصحي وتنظيم العلاقة بين مقدمي الخدمة ومتلقيها.
وأضاف ان قطاع التأمين من القطاعات المُدِرّة للدخل بشكل جيد، واذا ما طبقت الإدارة الفنية في علم التأمين فإنها ستحقق المنفعة الاجتماعية، وذلك بنوعية الخدمة المقدمة للمؤمَّن وكذلك المنفعة المادية المرجوة من عملية التأمين، مبيناً ان إنشاء شركة تأمين صحي مستقلة غير مجد، بسبب تكلفة التأمين الصحي وتراوح هامش الربح بين 10 و15 في المئة من قيمة الأقساط.

تعليقات