التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) (2-2)..مفلح العدوان بوح القرى

الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) 

 


صورة 
 
 
شرق النهر، للحكاية نبض مجبول بأسرار معتقة، موغلة في القدم، وكأنها تريد أن تومض بالرسائل قبل أن تصرح بها مرة واحدة ذات زمن قادم.
شرق النهر، للصمت دلالة، كما أن للبوح مهابة تليق بجلال الأردن، نهرا، وأرضا، وتاريخا، وذاكرة، تشكل مخطوط رواية المكان، وعطاء الإنسان.
شرق النهر، هناك، كان لبوح القرى زيارات عدة في إطار الماء المقدس، حيث المغطس، والكفرين، والرامة، وغير مكان بمحاذاة النهر، وفي دائرة هالته المنيرة. تلك الإطلالة على المكان والإنسان والتاريخ والدين في هذه المساحة، فتحت طرقا ومواضيع، لا بد من الإشارة لها، ودراستها، والبحث فيها، ليكتمل البوح، وتكتمل المعلومة عن تلك الأمكنة، وفي هذا السياق، تأتي كتابتنا هذه حول المقدس الشعبي، في محيط نهر الأردن، وقريبا من المغطس، استكمالا لما كان من كتابة حول المغطس، كمكان تكرس عالميا، وتقدس تاريخيا، كموقع لتعميد المسيح عليه السلام، ولعل هذا الحضور المقدس، جعل هناك امتيازاً للمنطقة حوله، فتشكلت في غير مكان منها، مواقع أخذت صفة المهابة، وصار لها مكانة في الوجدان الشعبي، لأهل المنطقة، تجلت حالتها من خلال بعض القبور والأضرحة المباركة حينا، والمعروفة أحيانا أخرى، في الكفرين والرامة بحيث أخذت مساحة في الذاكرة الشعبية، وفي وجدان المجتمعات هناك.   

المحيط المكاني
إنها محاولة للإفادة من عملية الرصد، والبحث، الميداني المكاني، بتقديمه للباحثين والمختصين والمهتمين، وتحليل جزء منه، ليكون مادة أولية للزملاء الباحثين في الاجتماع، والأنثروبولوجي، والتاريخ، والأديان، وربما يفيد منها متخصصون في مجالات أخرى بحسب الزاوية التي ينظر منها لهذه الكتابة.
التركيز هنا على المحيط المكاني، للدائرة الضيقة حول المغطس، الواقع على الضفة الشرقية من نهر الأردن، غرب عمان بنحو 50 كيلومترا، ضمن منطقة الكفرين، في الأغوار الوسطى.
والكفرين هي المنطقة التي يتبع لها المغطس في الفترة الحاضرة، بحسب النظام الإداري، كما سيمتد رصد المقدس الشعبي هذا إلى منطقة الرامة، لقربها من المغطس، ولكثافة القبور والأضرحة التي كانت ذات زمن تشكل حضورا في الوجدان الشعبي هناك.

الدرويش الفارسي
هناك كتاب مهم للرائد الإنجليزي كوندر، هو «أعمال المساحة في شرق الأردن(1880م)» ، ترجمة وتعليق الدكتور أحمد عويدي العبادي، عمل على رصد مجموعة من تلك القبور والأضرحة، المجاورة لنهر الأردن، خلال وصفه للنهر، وللأمكنة والخرب حوله، هذا في نهاية القرن التاسع عشر، وقد كان جزء منها ما زال قائما، عند زيارتنا، في بوح القرى، لتلك الأمكنة، ولذا فإنه يمكن مقارنة الوصف المكاني، ولكن حال المجتمعات هناك بالتأكيد تغير، ولحقته تحولات كثيرة، مترافقة مع التغيرات التي طرأت للمحيط الأوسع في الأردن.  
تلك القبور التي يتتبعها الرائد كوندر في وصفه لنهر الأردن، وما جاوره، في عام 1880م، تفتح البوابة لتتبع ذاكرة المقدس الشعبي عند أهل المنطقة المجاورة لنهر الأردن، وتحديدا في الفضاء المكاني للنهر والمغطس، حيث أنه حاول مقاربة قبر عبد الله (قبر الدرويش الفارسي في المنطقة)، مع قبر النبي موسى عليه السلام، كما أنه أشار في ذات السياق إلى حرمة القبور، والمساس بها، عند أهل تلك الديار، واحترامها، حتى ولو كانت لأحد الأقطاب المنافسين، في تلك الفترة الزمنية، حيث تحدث عن ضريح فندي الفايز الذي دفن في أرض العدوان.
كما أنه حدد تبارك العربان بالدفن قريبا من الأولياء الصالحين، مع التشبه بقبورهم، وهي القبور الثلاثة للغنيمات التي بنيت على نمط قبر عبد الله. وهناك ما هو أهم من هذا هي صفة القداسة التي أعطاها قبر الخضر في الرامة، حيث سميت المنطقة حوله باسم المزار، وصار لها حرمة مقدسة، وأساطير ارتبطت بها.

ضريح الخضر
هذا المقدس الشعبي، بحاجة إلى مزيد من البحث، ولكن يمكن رصد بقية القبور التي تتصف بالقداسة عند مجتمع الكفرين والرامة، في جزء منه، من خلال ما رصده الرائد كوندر في كتابه «أعمال المساحة في شرق الأردن 1880م»، إضافة إلى بعض الشهادات الشفوية من أهل المنطقة.
وهنا في مقام البوح سيكون سرد يختلط فيه ما ورد في الكتب، والبحوث، والمراجع، مع ما تمت الإحاطة به، من رواية شفوية، حول بعض تلك القبور، والحكايات والأساطير التي ارتبطت بها، ولعل مفتتح هذا البوح المقدس سيكون بالضرورة من مهابة ذاكرة الخضر، وضريحه في الرامة، وهو محاط بقبور أخرى، مكانه بين التجمع السكني لأهل القرية، وهو عنوان القسم الثاني من الرامة التي تقسم إلى الشاغور والمزار، وضريح الخضر، يقع في المزار، والربط واضح بين دلالة اسم المكان (المزار)، ووجود هذا الضريح فيه.
وضريح الخضر هو اسم يطلق على ضريحين أحدهما على الحد الشمالي من مواقع التسوية (المساحة) وذلك بالقرب من ماحص، وهو محاط بغابة من شجر البلوط، وذلك إلى الشمال من عراق الأمير. أما الثاني فهو في وادي الأردن، بالقرب من قبر سعيد، إلى الشمال من تل الرامة، والضريحين يقعان في منطقة خصبة بشكل طبيعي.
ويذكر القرآن الكريم هذه الشخصية الخضر في معرض القصص التي لا علاقة لها بالتوراة، عند الحديث عن موسى عليه السلام الذي كان يبحث عنه (أي عن الخضر).
وتشير بعض الكتابات إلى أن «الخضر هو وزير ذي القرنين والذي هو الاسكندر الأسطوري، أو عمون الذي تسرب من نبع الخلود، ولا شك أن الرجل العجوز/الخضر، هو تجسيد للصفات البشرية في الخصوبة، كما هي ممثلة بالتعاقب في الصحراء باللون الأخضر. وبوجه عام فإن مقامات أضرحة الخضر موجودة في أماكن خصبة، كما أن اللون المقدس عند المسلمين وهو الأخضر مرتبط بالفكرة ذاتها، وقد يكون منبعه الأصلي نموذجا لأشور في بلاد ما بين النهرين الذي كان أشور جنبا إلى جنب مع عشتاروت معبودا عاما للعرب في بلاد العرب قبل الإٍسلام».
ومن خلال شهادة شفوية لبعض المقيمين قريبا من مقبرة الرامة التي يوجد فيها ضريح الخضر، في الرامة، في منطقة المزار، يشار إلى أن الخضر مبارك في معتقد أهل المنطقة، وكان «يحمي اللي يستجير بيه، وكانوا يدفنو السمن والجميد عنده، وما حدا يسرقها، ولا ياخذها، كان التجار يرمو مفاتيح حواصلهم(دكاكينهم) عنده، وما يخافوا عليها، وما حدا يقرب منها لأن  الخضر(تستور من خاطرو) كان يرعاها ببركاته»).
وفي سياق محورية شخصية الخضر، والاجماع القداسي عليه من الجانب الاسلامي والمسيحي، يكتب الدكتور احمد عويدي العبادي، في هامش توضيحي، في كتاب «أعمال المساحة في الأردن-1880م»، حول هذا التآلف، كما لاحظه في منطقته، ماحص، وفيها ضريح للخضر، حيث يقول في هذا السياق «الخضر شخصية ولي يرى الأردنيون أنه شرب ماء الحياة، ولم يمت، وأنه موجود في العالم حيا يرزق، لا نراه، وأنه مستجاب الدعاء، والطلب عند الله سبحانه وتعالى، وأنه عاصر الأنبياء منذ زمن سيدنا موسى عليه السلام، ويبقى إلى يوم الدين. ومن هنا أقاموا له الأضرحة في كل مكان، ومن أهمها ضريحه إلى الجنوب من ماحص من أراضي عشائر عباد في محافظة البلقاء بوسط الأردن، وهو شخصية مقدسة لدى المسلمين والنصارى معا، وهناك اتفاق ووئام بين أتباع الدينين من العبابيد المسلمين ومن حولهم في ماحص، وبين الفحيصية النصارى ومن حولهم بحيث لا يطغى أحد على الآخر ولا يعترضه، وهو مسجل في دائرة الأراضي باسم الطائفتين الاسلامية والمسيحية، ويزوره النصارى في عيد خاص به اسمه عيد الخضر يكون في شهر نيسان من كل عام ميلادي/ شمسي».

قبر داحس
 هناك، وفي ذات الإطار المكاني، وعلى مرمى التفاتة من ضريح الخضر، ذو الحضور الانساني العالمي، والعابر للديانات، يرى المتأمل قبرا له صبغة المهابة المحلية، والخصوصية المرتبطة بأهل المنطقة، وهو يتماهى مع معاني الفروسية، والإقدام، والنبل، وقد تم إيلاء هذا القبر مكانة خاصة لدى أهل المنطقة ذات زمن مضى، حيث «قبر داحس»، عنوانا مميزا يدفن بجواره الفرسان مثله، كما تشير إلى ذلك الرواية الشفوية هناك.
القصة الشعبية المتداولة حول قبر داحس، وكما يرويها الرجال الكبار من عشيرة العدوان في الرامة تقول بأن «هذا التل (المقصود تل الرامة)، خلال القرون الأخيرة، كان محل استقرار عشيرة العدوان، ولذا فهو يرتبط، أيضا، بأحد فرسان هذه العشيرة، واسمه «داحس»، وقد كانت له صولات وجولات، لذلك فإنه حين توفي دفن على التل، فصار قبره مثل مقام هناك، وبعدها دفن حوله فرسان آخرون، ثم تشكلت مقبرة على تل الرامة»).
 ويرد في كتاب أعمال المساحة في شرق الأردن أن «داحس يعني النشاز، وهو كذلك اسم يطلق على حصان مشهور في التاريخ العربي كان سباقه سببا في تقاتل قبيلتين عربيتين لمدة أربع وعشرين سنة، ولا نعرف ان كانت هذه القصة تنطبق على هذا الضريح أم لا، وهو قبر واضح، وبارز فوق تل الرامة»


الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (2-2) 

 

صورة
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - شرق النهر.. ما زالت موسيقى القداسة تتجلى على وقع جريان ما تبقى من ماء، وفيض البركات، ونبض القديسين، والطيبين الصالحين.
وأكمل ما تيسر من هذا الذكر العبق بالصلوات، والبخور، والشموع، والأدعية، والمهابة، والذكر الشفيف.
شرق النهر، ما زال البوح في فضاءات الكفرين والرامة والمغطس، وهناك ثراء في الذاكرة، وعمق في التاريخ، كأن صفحات النبض الشعبي، تتواءم مع العمق الروحاني للمكان، ليكون هناك أقنوم يوازي ما رسخ في الوجدان من سير السكينة، وقصص القديسين، وهذا مسار مكمل لما اتفق عليه من تدوين رسمي لأماكن معدودة وردت في العهود والأسفار والكتب المحفوظة في الأديرة والمكتبات العتيقة.

مريم المصرية
أواصل طرق تلك المعالم، والتفاصيل، التي تحمل في ثناياها ملامح مهابة لم يتسن تدوينها حتى الآن، ولذا فقد حقّ علينا قول بعض الأحاديث، وتوثيقها حرفا مكتوبا، بعد أن بقيت ردحا من الزمن سرب حكايات على شفاه الكهول، وفي مساءات السواليف المستعادة.
وأبدأ من قرب المغطس، حيث أشهر الأساطير المرتبطة بموقع المغطس، وهو ما يخص حياة القديسة مريم المصرية، التي عاشت حياة سيئة في الإسكندرية، ولكنها تركت ذاك النوع من الحياة المليئة بالخطيئة عند زيارتها للقدس، وأصبحت أنموذجا للتوبة، حين أخبرها صوت القديسة مريم العذراء بأن تعبر نهر الأردن لتلقى الراحة، فاستمعت إلى هذا النداء، وقدمت إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن وعاشت 47 سنة من عمرها متعبدة وصائمة تطلب التوبة والمغفرة، وقبل وفاتها قابلها راهب من الدير المجاور، وأقام الصلاة معها، واستمع إليها، وأعطاها المناولة المقدسة قبل أن يتوفاها الله، فدفنها الراهب بمساعدة أسد حفر قبرها بمخالبه.

«العجام.. سياج الظلام»
جانب آخر من المقدس الشعبي نتلمسه في مكان قريب من المغطس، وعلى مرمى النظر منه، في قرية الرامة، حيث يتحدث أهل القرية هناك عن قبور أسيادهم «العجام»، وهو قبر على شكل جزيرة بين شارعين، ويأخذ هيئة تلة صغيرة، وهو بالنسبة للمنطقة كان قديما كأنه مزار خاص بأهلها، ويشير إليه الكبار حتى الآن قائلين أنه يوجد هنا «العجام سياج الظلام»، وأنهم كان موقعهم هنا، ولكن بدون «حوطه» لكنهم كانوا يتعاملون معه بمهابة ويقدمون له مثلما يقدمون من طقوس إلى مزار الخضر القريب منه.
ويتحدث كبار القرية بأن كل الذين كانوا يمرون من عند «العجام» كانوا يستأذنون عند المرور،ويقولون»يا عجام يا سياج الظلام، إحنا داخلين عليك»، كما أن صاحبة البيت عند طبخها لوجبة العائلة كانت في بعض المرات»تَنِبْ»(تتوجه بالدعاء إليهم) الطعام إلى هؤلاء الأسياد، وتقول عند وضع الملح «للأعجام سياج الظلام، عن روحهم حتى ما يؤذوني ولا يؤذوا عيلتي».
ويضيف أهل القرية بأنه «عندما تم بناء المدرسة القريبة منه في عام1979، كانت تقوم بعمليات الإنشاءات شركة كورية، لكن ما إن اقتربت جرافات هذه الشركة لتسوية الشارع، والذي كان يتطلب فتحه تجريف عدة أمتار من «حرم العجام سياج الظلام»، لكن «الجرافة الأولى توقفت وما اشتغلت، فجاءت جرافة أخرى وتعطلت»، ويقول أهل القرية أن ثلاث جرافات حاولت أن تحفر في المكان ولم تستطع ، وبعدها تركوه ولم يحفروه، وما زال ماثلا حتى الآن بين شارعين يتحدى أي محاولات للنبش في باطن تربته».

فندي الفايز
كما أن هناك قبورا لها مهابة، ويحافظ عليها أهل المنطقة، ولها معان تدل على الفروسية، والقيمة الاجتماعية، والذكر الحسن، وقد يكون قبر فندي الفايز واحد من هذه القبور، والمرحوم فندي هو شيخ مشهور من شيوخ عائلة الفايز من بني صخر، وكان زعيما للقبيلة بأسرها، ويشير اليه الرائد الإنجليزي كوندر، في كتابه أعمال المساحة في شرق الأردن(1880م) بقوله عن الشيخ فندي الفايز: «ويبدو أنه لقي وجه ربه في عام 1877م، وفي جميع الظروف والأحوال ليس قبل هذا التاريخ، عندما كان في طريق عودته من نابلس إلى ديرته في سهول مادبا، وقد دفن حيث لقي حتفه في ديرة العدوان، وبالتحديد حيث يلتقي الرامة ووادي الكفرين. ولا بد من القول هنا أن القبر واضح جدا، كما أن الملازم مانتل قام بقياسه بشكل دقيق، كونه عينة من الأضرحة النادرة الموجودة الآن، والتي يشيدها البدو لأبطال مشهورين، ويبدو أن هندسة بناء الضريح مستمدة من التوابيت الرومانية البارزة مثلما هي موجودة قرب عمان، ويبلغ طول القبر عشرة أقدام،وعرضه ستة أقدام ونصف، بينما يصل الارتفاع إلى الحد المحاذي للسقف عشرة أقدام بدءا من سطح الأرض، وأعتقد أنه قائم على أساس، وقبر تحته، بينما تمت بناية الجزء البارز من الشيد والحمراء ثم طلي بالأبيض. وحيث أن العربان أميون، فإن القبر يخلو من أية نصوص كتابية، إلا أنهم استعاضوا بوسم عائلة الفايز المنحوت على النهاية الغربية، وهو المحماسة بالإضافة إلى مطرقين تمثلان وسم الطوقة التي يشكل الفايز أحد فروعها، أما حرف ظ الحميري فهو منحوت في أعلى مشاهد الجزء الغربي. أما المحجانان (مفردها محجان) المعلقان على الجانب الجنوبي للضريح، فهما حسبما نعتقد ما كان فندي الفايز يحملهما أثناء حياته، ومثل هذا النوع من العصي(التي تشبه عصاة أوزيرس) شائع الاستخدام لدى الشيوخ كعلامة على السلطة، كما أنها متوفرة في جميع الأماكن المتصفة بالقدسية.
وهناك نحت على الطرف الجنوبي من القبر يمثل سيفا، وفناجني قهوة، ومهباش، ودلة قهوة، أما على الجانب الشمالي فيوجد نحت يمثل المهباش والدلة والمحماسة والفناجين وملقط، ومثل هذه جميعا، مؤشر واضح على شجاعة وحرية الزعيم المدفون في هذا القبر. ونواصل وصف القبر (قبر فندي الفايز) لنقول أننا شاهدنا مشكاة على الجوانب والنهايات، كما توجد تصميمات تزيينية أخرى والتي بدورها مع المظاهر الفنية الأخرى تجعل من هذا الضريح عملا فنيا عظيما صنعته أيدي العربان في هذه الديار، أما جهات القبر فشأنه شأن بقية قبور المسلمين في سوريا أي أن امتداده من الشرق إلى الغرب، وذلك لوضع الجثمان على جانبه الأيمن ليصبح وجهه نحو مكة المكرمة، وهناك حوطة حول القبر رباعية الزوايا، وهي بالمقاسات التالية: سبع خطوات (17 قدما) شرق غرب * ست خطوات (15 قدما) شمال جنوب، أما ارتفاع السور فهو بمقدار قدم ونصف القدم وهو مبنيّ من الحجارة العادية مع الطين. وفي الطرف الغربي ابصرت ما يشبه شاهد القبر، يرتفع مقدار قدمين عن الحنت (العتبة العليا) وفيه حفرة بحجم فنجان القهوة، وهناك عشرة أو خمسة عشر قبرا للعربان حول هذا الضريح، قيل لي أن احداها يعود لجد فندي الفايز، ومن الواضح أن قبر فندي لا زال في حالة حسنة، وهو مرتفع بحيث تمكن رؤيته من مكان من التلال المجاورة، خاصة وأنه مطلي بالأبيض».

مجاهد وسعيد
وهناك قبور أخرى لها حضور ودلالة لدى أهل المنطقة، وهي منتشرة في غير مكان في الكفرين والرامة، وربما يوجد غيرها لم نتمكن من رصده، غير أن هذه القبور التي نوثقها هنا هي كل من قبر مجاهد؛ وهو شبيه بقبر فندي الفايز، إلا أنه موجود فوق تل الكفرين. كما يمكن ذكر قبر سعيد؛ وهو اسم شائع يعني طيب الحظ، وهو قبر موقعه بجانب الخضر جنوب شرق تل الرامة.

الحساسنة
يمكن رصد عدة قبور، قريبا من خربة الكفرين، كما تذكرها بعض الكتب، وكذلك ذاكرة الناس هناك، وتلك القبور هي «قبور الحساسنة»، وهي قبور كل من قبر حبيب، وقبر جروان، وقبر سعيدة، وقبر سالم المسلم، وجميع تلك القبور تقع قرب خربة الكفرين.
وعند الدخول في التحديد الدقيق لها، يشار إلى أن قبر حبيب، وقبر سالم المسلم يقعان شمال الخربة، وأما قبر جروان فموقعه شمال غرب قبر سالم المسلم، بينما قبر حبيب، وقبر سعيدة، فهما يوجدان إلى الغرب من الخربة، حيث أن قبر حبيب يقع شرق قبر سعيدة. ويوضح الرائد كوندر بأن «تلك القبور الأربعة هي قبور حديثة تعود للعربان».
وهو كذلك في كتابه يلفت النظر الى التقديس لقبر امرأة، والمقصود هنا قبر سعيدة، ويشير إلى ذلك مترجم الكتاب بقوله أنه «يمكن المقارنة هنا، مع ما ذكره الرائد كوندر في موقع آخر من كتابه، حين كان في مادبا، حيث أشار إلى ماطا التركمانية: (أثر المرأة التركمانية وهي هوة حتية من الحت في قطعة صخر مستو لها مكانة مقدسة لدى العدوان والقبائل الأخرى في المنطقة، على أنها أثر قدم سيدة قديسة طارت من على متن جملها أثناء رحلة حج في احدى السنين، وذلك أثناء الذهاب أو الإياب إلى مكة المكرمة، ذلك أن الروايات التقليدية تقول أن طريق الحج كان يمر سابقا من هذا المكان)».

 


تعليقات