مشاركة أهل جند الأردن في حصار ابن الزبير في مكة

 عن كتاب كنز الدرر وجامع الغرر - ابن الدواداري ( توفي 1432 م)


وعن محمد بن خالد قال: رأيت ابن الزبير يصلي عند الحجر فجاءه حجر من ورائه ففحص برجله ولم يتحرك من مكانه حتى قضى صلاته، وكان يومئذ بمكة أربع مائة رجل من الخوارج، فلما رأوا ما صنع بالبيت، خرجوا فقاتلوا حتى قتلوا جميعا، وقتل من أهل الشام خلق كثير، وجعل أهل #الأردن يرمون البيت بالمنجنيق، وكان اسم المنجنيق أبو فروة، وعادوا أهل الأردن يقولون:


حجارة مثل الموج المزبد، نرمى بها عباد أهل المسجد.


فأرسل الله سبحانه على المنجنيق صاعقة من السماء فأحرقته، وأحرقت معه اثني عشر رجلا، وثبت ضوء تلك الصاعقة بمكا [ن] فكان أهل #مكة و #الشام لا يستطيعون أن يفتحوا عيونهم، ولم تزل كذلك حتى أحرقت ذلك المنجنيق ومن حوله من النفر. فلما احترقوا ذهب الضوء. فلمّا رأوا أهل الشام هذه الموعظة قال بعضهم لبعض: إن ابن الزبير على الحق فصار كثير منهم زبيريا، وصبر بعضهم على القتال، وصبر لهم أهل مكة، فبينما الناس على مثل ذلك من القتال إذ أقبل راكب من أهل الشام يخبر بموت يزيد بن معاوية.

فأمسكوا عن القتال، وتوادع القوم بعضهم بعضا، ومشت السفراء بينهم على أن يكون الكف بينهم عن القتال ويعتمروا أهل الشام بناحية مكة، ودخل الحصين بن نمير على عبد الله بن الزبير فقال له: يا ابن الزبير، هل لك أن أحملك إلى الشام ونبايع لك بالخلافة؟

 فقال بن الزبير مجهرا بصوته: أبَعد قتل أهل الحرمين لا والله أو أقتل بكل رجل خمسة من أهل الشام. فقال له ابن الحصين: قبّح الله من يزعم أنك داهية، والله ما أنت كذلك وأراك رجلا معجبا بنفسه، أنا أناجيك سرا وأنت تناجيني جهرا وترفع صوتك، وأدعوك أن أستخلفك فتزعم أنك تقاتل، والله إنها لولا ما تصلح إلا في رجل من قريش وأردت لها رجلا من قومي لفعلت، ولكن لا حاجة لنا فيك بعدها. فلما خرج من عنده ندم على ما فعل وقالوا له قومه: لبئس ما صنعت، والله لو صبرت على نفسك ساعة لوردت الشام خليفة وما اختلف عليك اثنان. فندب ابن الزبير رجالا يتلقون الحصين ويسألوه الرجوع إلى بن الزبير. فأبا وقال: لا حاجة لنا به، هذا رجل شديد العجب بنفسه، كبير الكبر.

تعليقات