مراسلات ومناقشات أهل الأردن مع جيش المسلمين قبيل معركة فحل

 يبدو أنه ينشر لأول مرة .. تفاصيل مراسلات ومناقشات أهل الأردن قبيل معركة فحل مع جيش المسلمين بقيادة أبو عبيدة عامر بن أبي الجراح ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهم جميعا-

وقعة #فحل حسبما في كتب فتوح الشام
 قالوا: فلما بلغ الروم أن أبا عبيدة قد أقبل إليهم تحولوا إلى فحل فنزلوا بها، وجاء المسلمون بأجمعهم حتى نزلوا بهم، وخرج علقمة بن الأرث فجمع من أطاعه من بني القين، وجاءت #لخم و #جذام و #عاملة و #غسان، وقبائل من #قضاعة ، فدخلوا مع المسلمين، وأخذ #أهل البلد من #النصارى يراسلون المسلمين، فيقدمون رجلا ويؤخرون أخرى، ويقولون: أنتم أحب إلينا من الروم وإن كنتم على غير ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا، ولكنهم غلبونا على أمرنا، فيقول لهم المسلمون: إن هذا ليس بنافعكم عندنا ما لم تعتقدوا منا الذمة، وإنا إن ظهرنا عليكم كان لنا أن نسبيكم ونستعبدكم، وإن اعتقدتم منا الذمة سلمتم من ذلك، فكانوا يتربصون وينتظرون ما يكون من أمر #قيصر ، وقد بلغهم أنه بعث إلى أقاصي بلاده، وإلى كل من كان دينه ممن حوله، وأنهم في كل يوم يقدمون عليه ويسقطون إليه، فهم ينتظرون ما يكون منه، وهم مع ذلك بموضعهم بين الثلاثين ألفا والأربعين ألفا .

وكان المسلمون حيث نزلوا بهم ليس شيء أحب إليهم من معاجلتهم، وكانوا هم ليس شيء أحب إليهم من مطاولة المسلمين رجاء المدد من صاحبهم، ولأن المسلمين ليسوا في مثل ما الروم فيه من الخصب والكفاية.

وأقبلت الروم يبثقون المياه بينهم وبين المسلمين ليطاولوهم، وأقبل المسلمون يخوضون إليهم الماء ويمشون في الوحل، فلما رأى ذلك الروم، وأنه لا يمنعهم منهم شيء خرجوا فعسكروا وتيسروا للقتال، ووطنوا أنفسهم عليه، وكانوا كل يوم فى زيادة من الأمداد الواصلة إليهم.

فأمر أبو عبيدة المسلمين حيث بلغه ذلك أن يغيروا عليهم وعلى ما حولهم من القرى والسواد والرساتيق، ففعلوا، وقطعوا بذلك المادة والميرة.

فلما رأى ذلك ابن الجعد أتى أبا عبيدة فصالحه على سواد #الأردن ، وكتب له كتابا.

وكان صفوان بن المعطل، ومعن بن يزيد بن الأخنس السليمان قد خرجا في خيل لهما فأغارا، فغنما، فلما انصرفا عرضت لهم الروم فقاتلوهم، وإنما كان المسلمون في نحو من مائة رجل و #الروم في خمسة آلاف مع #درنجار عظيم منهم، فطاردوهم وصبروا لهم، واحتسبوا في قتالهم، ثم إن الروم غلبوهم على غنيمتهم. وجاء حابس بن سعد الطائي فى نحو من مائة رجل، فحمل عليهم فزالوا غير بعيد، ثم حملوا عليه فردوه وأصحابه حتى ألحقوهم بالمسلمين، ثم انصرفوا وقد بغوا، وهم يعدون هذا ظفرا، ولم يقتلوا أحدا، ولم يهزموا جمعا، فلما انصرفوا إلى عسكرهم أرسلوا إلى أبي عبيدة: أن اخرج أنت ومن معك من بلادنا التي تنبت #الحنطة و #الشعير و #الفواكه و#الأعناب ، فلستم لها بأهل، وارجعوا إلى بلادكم، بلاد #البؤس والشقاء، وإلا أتيناكم فيما لا قبل لكم به، ثم لم ننصرف عنكم وفيكم عين تطرف.

فرد عليهم أبو عبيدة: أما قولكم: أخرجوا من بلادنا فلستم لها بأهل، فلعمري ما كنا لنخرج عنها وقد أورثناها الله ونزعها من أيديكم، وإنما البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، والله ملك الملوك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء. وأما قولكم في بلادنا أنها بلاد البؤس والشقاء، فصدقتم، إنها لكذلك، وقد أبدلنا الله بها بلادكم، بلاد العيش الرفيع والسعر الرخيص والجناب الخصيب، فلا تحسبونا تاركيها ولا منصرفين عنها حتى نفنيكم أو نخرجكم منها، ولكن أقيموا، فو الله لا نجشمكم أن تأتونا، ولنأتينكم إن أنتم أقمتم لنا، فلا نبرح حتى نبيد خضراءكم، ونستأصل شأفتكم إن شاء الله تعالى.

فلما جاءهم ذلك عنهم أيقنوا بجد القوم، فأرسلوا إليهم، أن ابعثوا إلينا رجلا من صالحائكم نسأله عما تريدون وما تسألون وما تدعون إليه، ونخبره بذات أنفسنا، وندعوكم إلى حظكم إن قبلتم.

فأرسل إليهم أبو عبيدة، معاذ بن جبل، فأتاهم على فرس له، فلما دنا منهم نزل عن فرسه، ثم أخذ بلجامه وأقبل إليهم يقوده، فقالوا لبعض غلمانهم: انطلق إليه فأمسك له فرسه، فجاء الغلام ليفعل، فقال له معاذ: أنا أمسك فرسي، لا أريد أن يمسكه أحد غيري، وأقبل يمشي إليهم، فإذا هم على فرش وبسط ونمارق تكاد الأبصار تغشى منها، فلما دنا من تلك الثياب قام قائما، فقال له رجل منهم: أعطني هذه الدابة أمسكها لك، وادن أنت فاجلس مع هذه الملوك مجالسهم، فإنه ليس كل أحد يقدر أن يجلس معهم، وقد بلغهم عنك صلاح وفضل فيمن أنت منه، فهم يكرهون أن يكلموك جلوسا وأنت قائم.

فقال لهم معاذ، والترجمان يفسر لهم ما يقول: إن نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نقوم لأحد من خلق الله، ولا يكون قيامنا إلا لله في الصلاة والعبادة والرغبة إليه، فليس قيامي هذا لكم، ولكن قمت إعظاما للمشي على هذه البسط والجلوس على هذه النمارق التي استأثرتم بها على ضعفائكم، وإنما هي من زينة الدنيا وغرورها، وقد زهد الله في الدنيا وذمها، ونهى عن البغي والسرف فيها، فأنا أجلس هاهنا على الأرض، وكلموني أنتم 
بحاجتكم من ثم، وأقيموا الترجمان بينى وبينكم، يفهمنى ما تقولون، ويفهمكم ما أقول، ثم أمسك برأس فرسه وجلس على الأرض عند طرف البساط. فقالوا له: لو دنوت فجلست معنا كان أكرم لك، إن جلوسك مع هذه الملوك على هذه المجالس مكرمة لك، وإن جلوسك على الأرض متنحيا صنيع العبد بنفسه، فلا نراك إلا قد أزريت بنفسك.

فلما أخبره الترجمان بمقالتهم جثا على ركبتيه واستقبل القوم بوجهه، وقال للترجمان:

قل لهم: إن كانت هذه المكرمة التي تدعونني إليها استأثرتم بها على من هو مثلكم إنما هي للدنيا، فلا حاجة لنا في شرف الدنيا ولا في فخرها، وإن زعمتم أن هذه المجالس والدنيا التي فى أيدي عظمائكم وهم مستأثرون بها على ضعفائكم مكرمة لمن كانت في يده منكم عند الله، فهذا خطأ من قولكم، وجور من فعلكم، ولا يدرك ما عند الله بالخطأ، ولا بخلاف ما جاء به الأنبياء عن الله من الزهادة فى الدنيا.

وأما قولكم إن جلوسي على الأرض متنحيا صنيع العبد بنفسه، ألا فصنيع العبد بنفسه صنعت، أنا عبد من عبيد الله جلست على بساط الله، ولا أستأثر من مال الله بشيء على إخواني من أولياء الله، وأما قولكم أزريت بنفسي فب مجلسي، فإن كان ذلك إنما هو عندكم وليس كذلك عند الله، فلست أبالي كيف كانت منزلتي عندكم إذا كنت عند الله على غير ذلك، وإن قلتم أن ذلك عند الله فقد أخطأتم خطأ بينا، لأن أحب عباد الله إلى الله المتواضعون لله القريبون من عباد الله، الذين لا يشغلون أنفسهم بالدنيا، ولا يدعون التماس نصيبهم من الآخرة.

فلما فسر لهم الترجمان هذا الكلام نظر بعضهم إلى بعض وتعجبوا مما سمعوا منه، وقالوا لترجمانهم: قل له: أنت أفضل أصحابك؟ فلما قال له، قال: معاذ الله أن أقول ذلك، وليتني لا أكون شرهم، فسكتوا عنه ساعة لا يكلمونه، وتكلموا فيما بينهم، فلما رأى ذلك قال لترجمانهم: إن كانت لهم حاجة في كلامي وإلا انصرفت عنهم، فلما أخبرهم قالوا: قل له: أخبرونا ما تطلبون؟ وإلام تدعون؟ ولماذا دخلتم بلادنا وتركتم أرض #الحبشة وليسوا منكم ببعيد، وأهل #فارس وقد هلك ملكهم وهلك ابنه، وإنما يملكهم اليوم النساء، ونحن ملكنا حيّ وجنودنا عظيمة، وإن أنتم افتتحتم من مدائننا مدينة أو من قرانا قرية أو من حصوننا حصنا أو هزمتم لنا جندا أظننتم أنكم ظفرتم بجماعتنا أو قطعتم عنكم حربنا وفرغتم مما وراءنا، ونحن عدد نجوم السماء وحصى الأرض؟ وأخبرونا بم تستحلون قتالنا وأنتم تؤمنون بنبينا وكتابنا؟.

فلما قالوا هذا القول وفسره الترجمان لمعاذ، سكتوا، فقال معاذ للترجمان: أقد فرغوا؟
قال: نعم، قال: فأفهم عني، إن أول ما أنا ذاكر: حمدا لله الذي لا إله إلا هو، والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وأول ما أدعوكم إليه أن تؤمنوا بالله وحده، وبمحمد صلى الله عليه وسلم وأن تصلوا صلاتنا، وتستقبلوا قبلتنا، وأن تستسنوا بسنة نبينا، وتكسروا الصليب، وتجتنبوا شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ثم أنتم منا ونحن منكم، وأنتم إخواننا في ديننا، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم، فأدوا الجزية في كل عام إلينا عن يد وأنتم صاغرون، فإن أنتم أبيتم هاتين الخصلتين فليس شيء مما خلق الله نحن قابلوه منكم، فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين، فهذا ما نأمركم به وما ندعوكم إليه.

وأما قولكم: ما أدخلكم بلادنا وتركتم أرض الحبشة وليسوا منكم ببعيد، وأهل فارس وقد هلك ملكهم، فإني أخبركم عن ذلك، ما بدأنا بقتالكم أن يكونوا آثر عندنا منكم، إنكم جميعا لسواء، وما حابيناهم بالكف عنهم إذ بدأنا بكم، ولكن الله تبارك وتعالى، أنزل فى كتابه على نبينا صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة [التوبة: ١٢٢] ، فكنتم أقرب إلينا منهم، فبدأنا بكم لذلك، ثم لقد أتتهم طائفة منا بعدنا، فإنهم اليوم ليقاتلونهم، وإنا لنرجو أن يعزهم الله ويفتح عليهم، وأما قولكم: إن ملكنا حيّ، وإن جنودنا عظيمة، وإنا عدد نجوم السماء وحصى الأرض وتؤيسونا من الظهور عليكم، فإن الأمر في ذلك ليس إليكم، وإن الأمور كلها لله، وكل شيء في قبضته وقدرته، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، فإن يكن ملككم #هرقل فإنما ملكنا نحن الله تبارك وتعالى، وأميرنا رجل منا، إن عمل فينا بكتاب ربنا وسنة نبينا أقررناه، وإن غير عزلناه، ولا يحتجب منا، ولا يتكبر علينا، ولا يستأثر علينا في فيئنا الذي أفاء الله عز وجل، علينا، وهو فيه كرجل منا. وأما جنودنا، فإنها وإن عظمت وكثرت حتى تكون أكثر من نجوم السماء وحصى الأرض، فإنا لا نثق بها ولا نتكل عليها، ولكنا نتبرأ من الحول والقوة، ونتوكل على الله ونثق به، وكم من فئة قليلة قد أعزها الله ونصرها وأعانها، وكم من فئة كثيرة قد أذلها الله سبحانه، وأهانها قال الله تبارك وتعالى: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين [البقرة: ٢٤٩] .

وأما قولكم: كيف تستحلون قتالنا وأنتم مؤمنون بنبينا وكتابنا، فأنا أخبركم عن ذلك: نحن نؤمن بنبيكم، ونشهد أنه عبد من عباد الله ورسول من رسل الله، وأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون، ولا نقول: إنه الله، ولا أنه ثاني اثنين ولا ثالث ثلاثة، ولا أن لله عز وجل، ولدا ولا صاحبة، ولا أن مع الله آلهة أخرى، لا إله إلا هو، تعالى عما تقولون علوا كبيرا، وأنتم تقولون في عيسى قولا عظيما، ولو أنكم قلتم في عيسى كما نقول، وآمنتم بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم كما تجدونه في كتابكم، وكما نؤمن نحن بنبيكم، وأقررتم بما جاء به من عند الله، ووحدتم الله، ما قاتلناكم، بل سالمناكم وواليناكم وقاتلنا عدوكم معكم.

فلما فرغ معاذ من مخاطبتهم قالوا له: ما نرى ما بيننا وبينكم إلا متباعدا، وقد بقيت خصلة ونحن عارضوها عليكم، فإن قبلتموها منا فهو خير لكم، وإن أبيتم فهو شر لكم:

نعطيكم #البلقاء وما والى أرضكم من سواد الأردن، وتتحولون عن بقية أرضنا، وعن مدائننا، ونكتب عليكم كتابا نسمي فيه خياركم وصالحاءكم، ونأخذ فيه عهودكم ومواثيقكم أن لا تطلبوا من أرضنا غير ما صالحناكم عليه، وعليكم بأهل فارس فقاتلوهم ونحن نعينكم عليهم حتى تقتلوهم أو تظهروا عليهم.

فقال لهم معاذ: هذا الذي تعطوننا هو كله في أيدينا، ولو أعطيتمونا جميع ما في أيديكم مما لم نظهر عليه ومنعتمونا خصلة من الخصال الثلاث التي وصفت لكم ما فعلنا. فغضبوا، وقالوا: أنتقرب منكم وتتباعد منا، اذهب إلى أصحابك، فو الله إنا لنرجو أن نقرنكم غدا في الحبال. فقال معاذ: أما في #الحبال فلا، ولكن والله لتقتلننا عن آخرنا أو لنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون.

ثم انصرف إلى أبي عبيدة فأخبره بما قالوا وما رد عليهم. فإنهم لكذلك إذ بعثوا إلى أبي عبيدة: إنك بعثت إلينا رجلا لا يقبل النصف، ولا يريد الصلح، فلا نرى أعن رأيك ذلك أم لا، وإنا نريد أن نبعث إليك رجلا منا يعرض عليك النصف، ويدعوك إلى الصلح، فإن قبلت ذلك منه فلعله يكون خيرا لنا ولك، وإن أبيت فلا نراه إلا شرا لك .

فقال لهم أبو عبيدة: ابعثوا من شئتم. فبعثوا إليه رجلا منهم، طويلا أحمر أزرق، فلما جاء المسلمين لم يعرف أبا عبيدة من القوم، ولم يدر أفيهم هو أم لا، ولم ير هيبة مكان أمير، فقال: يا معشر العرب، أين أميركم؟ قالوا له: هو ذا، فنظر فإذا هو بأبي عبيدة جالسا على الأرض عليه الدرع، وهو متنكب القوس، وفي يده أسهم يقلبها، فقال له:

أنت أمير هؤلاء الناس؟ قال: نعم، قال: فما جلوسك على الأرض؟ أرأيت لو كنت جالسا على وسادة، أو كان تحتك بساط، أكان ذلك واضعك عند الله أو مباعدك من الإحسان؟.

فقال أبو عبيدة: إن الله لا يستحي من الحق، لأصدقنك عما قلت، ما أصبحت أملك دينارا ولا درهما، وما أملك إلا فرسي وسلاحي، ولقد احتجت أمس إلى نفقة فلم تكن عندي حتى استقرضت أخي هذا يعنى معاذا، نفقة كانت عنده، فأقرضنيها، ولو كان عندي أيضا، بساط أو وسادة ما كنت لأجلس عليه دون أصحابي وإخواني، وأجلس على الأرض أخي المسلم الذى لا أدري لعله عند الله خير مني، ونحن عباد الله نمشى على الأرض، ونأكل على الأرض، ونجلس عليها، ونضطجع عليها، وليس بناقصنا ذلك عند الله شيئا، بل يعظم الله به أجورنا، ويرفع به درجاتنا. هات حاجتك التي جئت لها.

فقال الرومي: إنه ليس شيء أحب إلى الله من الإصلاح، ولا أبغض إليه من البغي والفساد، وإنكم قد دخلتم بلادنا فظهر منكم فيها الفساد والبغي، وقل ما بغى قوم وأفسدوا في الأرض إلا عمهم الله بهلاك، وإنا نعرض عليكم أمرا فيه حظ إن قبلتموه:

إن شئتم أعطيناكم دينارين دينارين، وثوبا ثوبا، وأعطيناك أنت ألف دينار، ونعطي الأمير الذي فوقك يعنون #عمر بن الخطاب، ألفي دينار، وتنصرفون عنا، وإن شئتم أعطيناكم البلقاء وما إلى أرضكم من سواد الأردن، وخرجتم من مدائننا وأرضنا، وكتبنا فيما بيننا وبينكم كتابا يستوثق فيه بعضنا من بعض بالأيمان المغلظة لتقومن بما فيه ولنفين بما عاهدنا الله عليه.

فقال أبو عبيدة: إن الله تعالى، بعث فينا رسولا تنبأه، وأنزل عليه كتابا حكيما، وأمره أن يدعو الناس إلى عبادته رحمة منه للعالمين، فقال لهم: إن الله إله واحد عزيز حكيم، عليّ مجيد، وهو خالق كل شيء، وليس كمثله شيء، فوحدوا الله الذي لا إله إلا هو، ولا تتخذوا معه إلها آخر، فإن كل شيء يعبده الناس دونه فهو خلقه، وإذا أتيتم المشركين فادعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله والإقرار بما جاء به من ربه، فمن آمن وصدق فهو أخوكم في دينكم، له ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليهم أن يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإن أبوا أن يؤمنوا أو يؤدوا الجزية فقاتلوهم، فإن قتيلكم المحتسب بنفسه شهيد عند الله في جنات النعيم، وقتيل عدوكم في النار، فإن قبلتم ما سمعتم فذاكم، وإن أبيتم فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين.

قال الرومي: فقد أبيتم إلا هذا. فقال أبو عبيدة: نعم. فقال: أما والله على ذلك إني لأراكم ستتمنون أنكم قبلتم منا دون ما عرضنا عليكم. فقال أبو عبيدة: لا والله، لا نقبل هذا منك ولا من غيرك أبدا، فانصرف الرومي رافعا يديه إلى السماء يقول: اللهم إنا قد أنصفناهم فأبوا، اللهم فانصرنا عليهم. ووثب أبو عبيدة مكانه، فسار في الناس، وقال: أصبحوا أيها الناس وأنتم تحت راياتكم وعلى مصافكم. فأصبح الناس وخرجوا على تعبئتهم ومصافهم .

وكتب أبو عبيدة إلى عمر: لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من أبي عبيدة بن الجراح.

سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد. فإن الروم قد أقبلت، فنزلت طائفة منهم #فحلا مع أهلها، وقد سارع إليهم أهل البلد، ومن كان على دينهم من #العرب ، وقد أرسلوا إليّ: أن اخرجوا من بلادنا، فإنكم لستم لهذه البلاد التي تنبت الحنطة والشعير والفواكه والأعناب أهلا، والحقوا ببلادكم، بلاد الشقاء والبؤس، فإن أنتم لم تفعلوا سرنا إليكم بما لا قبل لكم به، ثم أعطينا الله عهدا أن لا ننصرف عنكم وفيكم عين تطرف، فأرسلت إليهم:

أما قولكم: اخرجوا من بلادنا، فلستم لما تنبت أهلا، فلعمري ما كنا لنخرج عنها وقد أورثناها الله تعالى، ونزعها من أيديكم، وإنما البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، وهو سبحانه ملك الملوك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء.

وأما ما ذكرتم من بلادنا، وزعمتم أنها بلاد البؤس والشقاء، فقد صدقتم، وقد أبدلنا الله بها بلادكم، بلاد العيش الرفيع، والسعر الرخيص، والجناب الخصيب، فلا تحسبونا تاركيها ولا منصرفين عنها، ولكن أقيموا لنا، فو الله لا نجشمكم إتياننا ولنأتينكم إن أقمتم لنا.

وكتبت إليك حين نهضت إليهم متوكلا على الله، راضيا بقضاء الله، واثقا بنصر الله، فكفانا الله وإياك كيد كل كائد، وحسد كل حاسد، ونصر الله أهل دينه نصرا عزيزا، وفتح لهم فتحا يسيرا، وجعل لهم من لدنه سلطانا نصيرا، والسلام عليك.

ودفع أبو عبيدة هذا الكتاب إلى #نبطيّ من أنباط الشام، وقال له: ائت به أمير المؤمنين، ثم نهض هو إلى الروم بجماعة المسلمين، فدنا منهم، وتعرضت خيل المسلمين لهم، فلم يخرجوا يومئذ، فانصرف المسلمون عنهم من غير قتال، وتأخر #النبطي عن
حتى انصرف المسلمون فذهب عند ذلك بالكتاب وقد كان أبو عبيدة بعثه أول النهار فلما قدم على عمر رحمه الله وقرأ كتابه قال له ويحك هل علمت أو بلغت ما كان من أمر المسلمين فإن أبا عبيدة كتب إلي يخبرني أنه كتب إلي حين نهض إلى المشركين فقال له أصلحك الله فإني لم أبرح يومئذ حتى رجع المسلمون عنهم وكانوا زحفوا إليهم وتعرضت خيلهم لهم فلم يخرج النصارى إليهم فانصرف المسلمون إلى عسكرهم وهم أطيب شيء أنفسا وأحسن شيء حالا قال فأنت ما حبسك يومئذ إلى العشي لم ..... الخ

تعليقات